St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 14 نوفمبر 2010

مؤثرات على العقل والفِكر

 

فكر الإنسان أمر مهم في حياته, والفكر ينبع من مصادر, ويصب في أخري, وحواس الإنسان هي من منابع الفكر. فالحواس توصل للعقل أفكارًا, وما يفكر فيه العقل يوصل إلي القلب مشاعر وأحاسيس, وما أسهل أن مشاعر القلب تصل إلي الإرادة, ومنها إلي العمل.. إنها سلسلة متتابعة.

والحواس لا تؤثر علي العقل الواعي فقط, إنما علي العقل الباطن أيضا, فما تراه العين, وما تسمعه الأذن من مناظر وسماعات وقراءات كثيرًا ما تنطبع, حسب عمقها, في العقل الباطن, وتظهر فيما بعد كأحلام أو ظنون أو أفكار أخري, لأن الفكر يلد فكرًا أو أفكارًا كثيرة, والعقل دائم العمل لا يتوقف, وحسب الغذاء الذي تقدمه للعقل تكون أفكارك, فقد تجلب له الحواس أفكارا خيرة, وقد تجلب له أفكارًا شريرة, وحسب نوعية الوقود تكون النار. فاحرص يا أخي علي حواسك لتضمن سلامة فكرك, واسأل نفسك أي نوع من الفكر يدور في عقلك؟ أهو فكر رديء أم فكر خطية أم فكر تافه من أمور العالم الزائلة؟

St-Takla.org Image: Jesus the minister, lifting up the thoughts of us all. صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيح المعلم، يسمو بأفكار الجميع.

St-Takla.org Image: Jesus the minister, lifting up the thoughts of us all.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيح المعلم، يسمو بأفكار الجميع.

كذلك القراءات تؤثر كثيرًا علي حياتك الشخصية, ويمكن أن تغرس في النفس مبادئ وقيمًا, حسب نوعية القراءة, فالذي يقرأ كثيرًا عن الحرية وأنواعها, غير الذي يقرأ عن الالتزام وعن الضوابط, والذي يقرأ عن الهدوء غير الذي يقرأ عن الكفاح والجهاد والحماس. حقًا إن القراءة يمكنها أن تسهم في تشكيل شخصية الإنسان, كذلك أيضا القراءة توسع الفكر, وتعمق مفاهيم معينة, وتزيد المعارف, وما أصدق الشاعر الذي قال عن القراءة في التاريخ:

ومَنْ وَعَى التاريخ في صدره

أضاف أعمارًا إلي عمره

والقراءة تستطيع أن تبعد الفكر عن التوافه, المرأة التي لا تقرأ, ربما لا تعرف سوي الحديث عن الأعمال المنزلية, وعن الملابس والحفلات, وأخبار الناس, بعكس المرأة المثقفة التي تجيد الكلام في موضوعات لها عمق, وبالمثل الرجل الذي يعرف المقهى والنادي ودور اللهو تكون شخصيته سطحية, وأحاديثه بلا نفع أو قد تضر, وعلي عكسه الرجل الذي يقرأ, ويكون كلامه ذا نفع.

وبهذا نحن نفرح بتعليم المرأة, ونحث الناس علي القراءة حتى الأطفال, ونشجع علي تكوين المكتبات, ونطلب من الآباء والمرشدين أن يوجهوا أبناءهم إلي نوعية القراءة التي تفيدهم والتي تناسبهم, والروحيون إذا قرأوا كتبًا روحية يرتفع مستواهم, ويزداد عمقهم بما يقرأون, المهم أن يتخير الناس ما يصلح للقراءة وما ينفع.

والقراءة تمنح الفكر لونًا من النمو والنضوج, فهي تشرح للعقل موضوعات ما كان يعرفها, وتناقش معه أفكارًا ربما كان يتلقاها من قبل بالتسليم, فأصبح يدخلها في نطاق الحوار.

وما كنا نقوله منذ سنوات عن مراحل السن عند الأطفال, قد تغير حاليا عن ذي قبل تغيرا كبيرا جدًا, بقدر ما يقدمه المجتمع للطفل والشاب من معلومات, وما يقدمه أيضا لرجل الشارع, وكذلك بازدياد المطبوعات, ووسائل التكنولوجيا الحديثة, قد تغير الفكر عن ذي قبل, بحسب نوعية القراءة, ونوعية الثقافة.

مما يؤثر في الإنسان أيضا: السماعات, فأنت تسمع كثيرا في الاجتماعات العامة والخاصة, وفي محيط الأقرباء والأصدقاء والمعارف, وتسمع من وسائل الإعلام كالراديو والتليفزيون والفيديو والكاسيتات والـCD, لكن المهم هو في أمرين: أن تتخير ما تسمع وتتحكم فيما تسمع, إن الله قد خلق لك أذنين, ومن الناحية الرمزية لكي تسمع الرأي, وتسمع الرأي الآخر, ولا تكن خاضعا لرأي واحد, ولا لكل ما تسمعه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إنما تحكم عقلك فيما تسمع, فتقبل ما يصلح, وترفض ما يضر, ولا تجعل عقلك خاضعا لأذنيك, أي لا تكن سَمَّاعًا, ولا تصدق كل ما تسمعه, بل افحص كل شيء, وابحث عن الحقيقة, ولتكن أذنك مصغية إلي السماع المفيد, أي إلي كلمة النصح, وكلمة المنفعة, وكلمة التوبيخ المخلص, وكلمة الإرشاد من الحكماء, وعموما إلي الكلمة التي تبني أي تبنيك روحيا وفكريا, وتثبتك في الحياة مع الله, واحترس من كلام الملق, ومن كلام الإغراء.

وفي مجال السماع أيضا لا يمكن نسيان تأثير الموسيقي والألحان والأغاني, فإن لكل ذلك تأثيرًا عميقًا في النفس, وفي مجال السماع أيضا احترس مما يسميه البعض غسل المخ, وذلك بوقوع العقل أحيانًا تحت تأثير فكري معين, يضيع منه كل ما أخذه من قبل, وكل ما اقتنع به, وذلك بأن تغرس فيه شكوك وأفكار أخري دون أن تكون له فرصة لمعرفة الرد علي ما يسمعه, أو الاتصال بالرأي الآخر.. إلي أن يخرج من هذا الغسيل شخصًا مختلفًا تمامًا عما كان من قبل, وإلي جوار الاختيار الطيب لما تسمعه, عليك ألا تردد كل ما تسمعه وتصبه في آذان غيرك, واحترس من أسلوب الببغاوات لئلا تنتقل شائعات أو معلومات قد تكون ضارة, وكما لا تنشر كل ما تسمعه, لا تنشر أيضًا كل ما تقرأه, ذلك لأن البعض لا يكتفون بتأثرهم بأفكار جديدة معينة, بل يتحمسون لها, بالأكثر لدرجة أنهم ينشرونها في كل المحيط الذي يعيشون فيه, كذلك لا تعجب بكل جديد مما يصل إلي فكرك, بل عليك أن تفحصه بكل دقة قبل أن تعتنقه.

أخيرا لا تقل إني لا أتأثر بشيء, وقد تأثرت عقليات أخري كبيرة, وإلا فماذا كان مصدر البدع الجديدة التي عرفها العالم؟ إنها لم تأت من فراغ. إن نظرية أينشتين Einstein كان لها تأثيرها, والماركسية كان لها تأثيرها, بل حتى الخرافات التي يؤمن بها بعض الناس لها تأثيرها, والشعوذة أيضا لها تأثيرها, والمرشدون المضلون لهم تأثيرهم, والعقل ليس معصومًا من الخطأ, وكذلك الفكر, والإنسان الحكيم يحترس جدا من كل ما يؤثر علي عقله وفكره, ويحتفظ بثباته.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-225-Effects.html

تقصير الرابط:
tak.la/xpgh5wm