St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 28-9-2008

لا للشكلية والحرفية

 

الإنسان الفاضل يهتم بعُمق الأمور وليس بشكلياتها. ومن جهة تعامله مع وصايا اللَّه، يهتم بروحانيتها وليس بحرفيتها. ذلك لأنَّ الشكليات هي المظهر الخارجي. والإنسان الروحي لا يهتم بالمظهر إنما بالجوهر. وليس هذا فقط من جهة الأمور الدينية، وإنما حتى في الأمور الإدارية والمدنية والحياة عامة. وسنحاول في هذا المقال أن نتناول العديد من الأمثلة لشرح هذا الموضوع:

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كان اليهود وبخاصة أيام إشعياء النبي يهتمون بالعبادة الشكلية من صلوات وأصوام وتقديم ذبائح والاهتمام بالاحتفالات والأعياد الدينية، بينما هم بعيدون عن اللَّه تمامًا. ولذلك رفض اللَّه صلواتهم وقال لهم: "حين تبسطون أيديكم، أستُرُ وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا". وقال عنهم أيضًا: "هذا الشعب يُكرمُني بشفتيه، أمَّا قلبه فمُبتعدٌ عني بعيدًا". حقًا إن اللَّه يُريد العبادة التي من القلب وليس مُجرَّد الشكليات الخارجية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Bibliotheca Alexandrina Languages wall, at the Library of Alexandria, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: حائط اللغات و الحروف في مكتبة الإسكندرية، مصر

St-Takla.org Image: Bibliotheca Alexandrina Languages wall, at the Library of Alexandria, Egypt - June 17, 2007 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org

صورة في موقع الأنبا تكلا: حائط اللغات و الحروف في مكتبة الإسكندرية، مصر - 17 يونيو 2007 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

مثال آخر، قد يركع الإنسان ويسجد. ويظن أن السجود هو انحناء الجسد أو مُجرَّد ملامسة الرأس للأرض. ويهتم بهذه الشكلية ويكتفي بها. بينما روحانية السجود هي انحناء الروح مع الجسد أيضًا، وهذا لا يأتي إلاَّ بخشوع النَّفس من الداخل. وسجود الإنسان الخاشع أمام اللَّه يختلف تمامًا عن مُجرَّد السجود الخالي من خشوع القلب. وجوهر السجود هو الشعور بعظمة اللَّه وهيبته، فأمامه تنحني الرأس حتى تلامس الأرض ويشعر الإنسان إنه لا عظمة له أمام عظمة اللَّه. وهكذا قال داود النبي في مزاميره: "لَصِقَتْ بالتُّراب نَفْسِي". ولم يقل لصقت بالتراب رأسي.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الصلاة أيضًا ليست مُجرَّد ألفاظ نُردِّدها. فهذا الترديد هو مُجرَّد شكلية الصلاة. إنما الصلاة في جوهرها، هي صلة اللَّه ومن هذا أخذت اسمها. والصلاة في عمقها هي انفتاح القلب للَّه، بكل خشوع، وكُل حُب، وكل إيمان. لذلك عجيب جدًا أن يُصلِّي إنسان، أو يظن إنه يُصلِّي، بينما لا توجد صِلة بينه وبين اللَّه فيما يسميها صلاة!! فإن كانت لك مثل هذه الصلاة الشكلية التي رُبَّما تكون أيضًا بلا فهم وبلا مشاعر، فقل لنفسك في صراحة تامة: "أنا ما وقفت أمام اللَّه لكي أعدّ ألفاظًا!!"... إن علاقتك باللَّه في الصلاة ليست علاقة مع شفتيك إنما مع قلبك قبل كل شي.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نطبق هذا الأمر أيضًا من جهة العطاء أو الصدقة. فجوهر العطاء هو أن تعطي من قلبك ومن حبك لا أن تعطي من مالك ومن جيبك. لأنَّ البعض قد يعطي بغير مشاعر، لمُجرَّد التنفيذ الحرفي لوصية اللَّه، أو يعطي حياء منه حينما يطلب ذلك منه، أو يعطي وهو متذمِّر، أو يعطي الفقراء وهو يحاسبهم حسابًا عسيرًا ويقول أحيانًا: هذا مستحق وهذا غير مستحق. أو يعطي مجاملة لبعض المشروعات الاجتماعية التي تقوم بها بعض الهيئات... وفي كل ذلك يظهر أن القلب غير مشترك في العطاء، أو أن العطاء غير مرتبط بمحبته للمحتاجين وإشفاقه عليهم، أو يعطي بشيء من التعالي والافتخار!! كل ذلك هو لون من الحرفية في العطاء أو الشكلية التي تخرج عن روح المحبة والشفقة والمشاركة الوجدانية مع أولئك المحتاجين. أمَّا الإنسان الروحي فيرى أن المُعطي الحقيقي هو اللَّه. وأن ما يعطيه هو للناس قد أخذه من اللَّه ليوصله منه إليهم، في اتضاع وإنكار للذات.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بنفس المنطق نتكلَّم من جهة الصوم. فروحانية الصوم هي في إخضاع الجسد وضبط النفس، تمهيدًا لأن يكون ذلك منهج حياة. غير أنه قد يوجد شخص يهتم بالشكل فقط، أي مُجرَّد فترة الانقطاع عن الطعام. ثم بعد ذلك يعطي جسده ما يشتهيه بغير انضباط! وبهذا فإن ما ينتفع به في صومه، يفقده بعد إفطاره. ويذكرني هذا الأمر بقول أمير الشعراء أحمد شوقي عن زجاجة الخمر:

رمضان ولَّى هاتها يا ساقي        مشتاقة تسعى إلى مشتاق

بينما روحانية الصوم تقول إن الذي امتنع شهرًا من الزمان عن زجاجة الخمر، من المفروض أنه قد وصل إلى قوة الإرادة التي يرفض بها تلك الزجاجة. ولا يقول عنها إنه مشتاق يسعى إلى مشتاقة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نقطة أخرى وهى أن اللَّه تبارك اسمه قد وهبنا يومًا في الأسبوع ليكون يومًا مخصصًا لعبادته، ولهذا أيضًا جميع البلاد تُعفي الموظفين من العمل في هذا اليوم. غير أن كثيرين ينسون جوهر هذا اليوم ويعتبرونه مُجرَّد يوم عطلة يقضونه كيفما يشاؤون دون أن يدخلوا إلى العمق ويخصصوه كله لعبادة اللَّه وخدمته.

فاسأل يا أخي نفسك عن موقفك من هذا اليوم، وهل أنت تخصص للَّه جزء يسيرًا منه أم تعطيه اليوم كله؟... ونفس الكلام نقوله عن الأعياد والمواسم الدينية وجوهرها وليس حرفيتها، ومقدار نصيب اللَّه منها؟! وهل هي لمجرد اللهو أم لها طابع التقديس؟!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ننتقل إلى نقطة أخرى وهى خدمة المجتمع، سواء الخدمة الفردية أم ما تقوم به بعض المؤسسات من خدمة عامة أو اجتماعية... فهل الذي يقوم بهذا العمل يعتبر خادمًا للمجتمع بقدر ما تحمل هذه الكلمة من معنى؟ أم أن هؤلاء الخدام ينسون كلمة خدمة. ويرتفع قلبهم، ويتسلطون في مواقع خدمتهم، ظانين أن عضويتهم في تلك المؤسسات أو الجمعيات أو رئاستهم لها تعطيهم السلطة فيما يخدمون. وهكذا يكونون قد فقدوا جوهر الخدمة ومعناها، وأصبحت الخدمة بالنسبة إليهم مجالًا لإظهار الذات، أو مُجرَّد أعمال إدارية ومالية يقوم بها الأعضاء، أو مُجرَّد أنشطة لتلك الهيئات وفي كل ذلك ينسون جوهر الخدمة وعُمقها وروحانيتها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موضوع الشكليات يدخل أيضًا في نطاق الأخلاقيات. فرُبَّما شاب يظن أنه عفيف لأنه لم يرتكب الخطية عمليًا، بينما شهوة الخطيئة في قلبه تملأ أفكاره وأحلامه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وعن مثل هذا الشخص قال القديس چيروم: "هناك أشخاص لهم عفة في أجسادهم، بينما أرواحهم زانية"... بنفس الوضع إلى حد ما في الاهتمام بالشكليات، تلك الفتاة التي تظن أن كل العفة في اختيار نوع ملابسها، وليس في نقاء القلب أو طهارة السلوك!!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نذكر في هذا المجال أيضًا، الاحترام الشكلي. فقد يوجد أشخاص في العمل يقابلون رؤساءهم بمظهر من الاحترام الشديد والطاعة، بينما قلوبهم بغير ذلك... وبنفس المنطق الذين يتحدَّثون كثيرًا عن الوطنية واحترام بلادهم، بينما في جوهر حياتهم لا يخدمون وطنهم كما ينبغي بل يركزون على ذواتهم كيف ينتفعون من كل وضع أو مركز يوجدون فيه. وينظرون إلى الوظائف على أنها مُجرَّد مجال للكسب المادي وليس لخدمة المجتمع. ومن هذا الوضع نائب الدائرة الذي ينسى إنه في خدمة الدائرة. وتصبح الدائرة هي التي خدمته باختياره نائبًا!!


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-114-Literalism.html

تقصير الرابط:
tak.la/kqn4935