St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 22-7-2007

حياة الشكر

 

الإنسان الشاكر هو الذي يذكر الجميل أو العون المقدم إليه، ولا ينساه مطلقًا بل يقدّره ويشكر عليه. فالشكر في قلبه وعلى لسانه، لله وللناس. فإن كان الله قد صنع معه خيرًا عن طريق أحد من الناس، فهو يشكر الله على ذلك، وأيضًا يشكر الإنسان الذي كان واسطة طيبة في وصول ذلك الخير إليه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ولكن غالبية الناس الشاكرين، إنما يشكرون أحيانًا، أي في مناسبة معينة، أو على خير بالذات قد وصل إليهم. أما حياة الشكر فتعني أن الإنسان يشكر الله في كل حين، وعلى كل شيء. فهو يشعر على الدوام أن حياته في يد الله وحده، وأن الله باستمرار يصنع الخير معه. لذلك فهو يقبل كل ما يأتي من عند الله بفرح، ويشكر عليه. ويقول في إيمان "كله للخير"...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Peace in God, prayer, life of hope and faith, by Tasony Sawsan صورة في موقع الأنبا تكلا: السلام في المسيح، الصلاة، حياة الرجاء و الإيمان، رسم تاسوني سوسن

St-Takla.org Image: Peace in God, prayer, life of hope and faith, by Tasony Sawsan.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السلام في المسيح، الصلاة، حياة الرجاء و الإيمان، رسم تاسوني سوسن.

ولكن قد يسأل البعض ويقول: نحن نؤمن بلا شك أن كل ما يأتي من عند الله هو خير. ولكن ماذا عن الأمور التي تأتينا من الناس، وقد لا تكون كلها خيرًا؟! نجيب على هذا بأن تصرفات الناس حيالنا: إن كانت خيرًا فستصل إلينا بما فيها من خير. ولكن إن لم تكن كذلك -وكانت شرًا مثلًا- فإن الله المحب لنا وللخير - سوف يحوّلها إلى خيرًا، وتصل إلينا خيرًا في النهاية...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لذلك فالمؤمنون الحقيقيون يشكرون الله دائمًا على كل شيء. وحيثما يشكرونه، لا يفعلون ذلك لمجرد الاستسلام لمشيئته، أو طاعة لوصيته كأمر مفروض عليهم!! كلا، فليس هذا هو الشكر الحقيقي، وليس الشكر هو مجرد ألفاظ تقال بدون اقتناع، كأداء الواجب... بل هم يشكرون الله من كل القلب، وبكل الثقة، متأكدين تمامًا أن الله لا يسمح بأن يحدث لهم سوى الخير. وأنه – كضابط للكل – يرقب كل ما يحدث لهم، ويدبر الموقف لصالحهم. لذلك هم يشكرونه على كل ما يحدث لهم، واثقين أنه سينتهي لخيرهم. وهنا ترتبط حياة الشكر بحياة الإيمان...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وحياة الشكر عند المؤمنين على درجات: أقلها الشكر على المعجزات والمواهب الفائقة والنعم العظيمة، وعلى الخيرات الوافرة والواضحة التي لا يشك أحد في عظم نفعها. وربما في غير ذلك قد لا يشكر البعض! وقد تمر عليهم النعم (البسيطة) مرورًا عابرًا، مع خيرات أخرى يرونها طبيعية وعادية ولا تحتاج إلى شكر!!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وهناك شكر أعلى في مستواه، وهو الشكر على القليل، ونحن إن شكرنا على القليل يمنحنا الله الكثير. ولكن الملاحظ في المستوى العادي أن أي إنسان قد يشكر على شفاء مريض من داء خطير كالسرطان مثلًا. ولكنه إن شكر على الشفاء من دور زكام أو برد، فإنه يدل على أنه متعود في حياته على الشكر، سواء على الكثير أو القليل...

ولعله من فوائد الشكر، استمرار النعم وزيادتها. وفي هذا قال أحد الآباء: "ليست موهبة بلا زيادة، إلا التي بلا شكر"..

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هناك درجة أخرى من الشكر: هي الشكر على الخفيات، على ما لا يرُى... إنه شكر من أجل المتاعب التي كان من الممكن أن تصل إلينا، ولم تصل. وذلك بسبب حفظ الله لنا وعنايته... إن الشيطان بلا شك يبذل كل جهده لضررنا وإسقاطنا. فإن كنا الآن بخير، فسبب ذلك أن الله تبارك اسمه قد منع الضرر عنا قبل أن يصل إلينا، أعنى الضرر الذي لا نعرفه... ونحن نشكر الله على هذا الحفظ وهذه الرعاية...

طبيعي أننا نشكر الله على الضيقات التي أنقذنا منها. ولكن هناك ضيقات أوقفها في الطريق ومنعها من أن تصل إلينا، ونحن لا نعرفها. ولكننا نشكره على حفظه لنا منها. إذن شكرنا على إنقاذنا من الضيقة التي نراها شيء. وشكرنا على حفظه لنا من ضيقات لا نراها، هذا أمر أعظم...

صدقوني، لو أن الله كشف لنا كل ما كان يدُبر ضدنا في الخفاء، وقد نجانا الله منه، ما كانت حياتنا كلها تكفى للشكر... الممزوج بالحب..

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هناك درجة أخرى، أعلى من كل ما سبق، وهى الشكر في كل حين، وعلى كل شيء. وفيها تكون حياة الإنسان كلها شكرًا... والشكر الدائم لا يحتاج إلى سبب واضح محدد، وما أكثر الأسباب كما سنذكر فيما بعد. ولكن يكفى أننا في رعاية الله الذي يريد لنا الخير. وهذا اللون من الشكر لا يتوقف على نوعية الحال الذي نحن فيه..

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هناك درجة نبيلة وسامية جدًا من الشكر، وهى الشكر على الضيقات: ليس فقط على الضيقات التي أنقذنا الله منها، بل بالحري على الضيقات القائمة التي ما زلنا نعيش فيها، وبالإيمان نثق أنها لخيرنا.

إن الصبر على الضيقة واحتمالها فضيلة، والرضى بالضيقة وقبولها فضيلة أكبر. ولكن ما هو أعظم من الكل، الشكر على الضيقة، وأعنى الشكر بفرح، وليس كمجرد واجب. ذلك لأننا إن شكرنا على النعم فقط، يكون حبنا هو للنعم، وليس لله معطيها... أما إن شكرناه حتى على الضيقة فإننا نبرهن على أننا نحب الله ذاته وليس مجرد عطاياه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إننا نشكره مهما حدث. ولا نسمح للأحداث المؤلمة أن تقللّ من إيماننا بحفظ الله، أو تقللّ شكرنا له، أو أن تنزع سلامنا منا...

وهذا الشكر له تأثيره على الآخرين، فيتعزون به، ونكون لهم قدوة في الضيقات. وقد قلت كثيرًا إن الضيقة سميت ضيقة لأن القلب قد ضاق عن أن يتسع لها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). أما القلب الواسع فإنه لا يتضيق بشيء. وطبيعي أن الذي يشكر على الضيقة سيشكر على كل شيء.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والإنسان الروحي يشكر على الضيقات، لأنها تقوى روحياته وتمنحه عمقًا في الصلاة وعمقًا في الصوم، وتزيد إيمانه إذ يرى فيها كيف أن يد الله تعمل، وكيف يتدخل لمعونته. كما تعطيه خبرات روحية. ولهذا فهو لا يتذمر أبدًا في حياته مهما كانت الظروف.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والذي يمارس حياة الشكر الدائم يجد أسبابًا كثيرة تدعوه إلى الشكر. فهو يشكر الله أولًا لأنه خلقه ومنحه الوجود، بل بالأكثر خلقًا إنسانًا عاقلًا حرًا مريدًا، كما يشكره على كل المواهب التي منحه إياها، ليس فقط على المواهب الفائقة للطبيعة إنما على التي تبدو له طبيعية، مثل الذكاء، أو رخامة الصوت، أو جمال الصوت، أو القدرة على الإقناع، أو القدرة على الاحتمال.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ويشكر الله على الإيمان الذي وُلد فيه، والذي يشتهيه كل الملحدين ولا يجدونه. يُحكى أن فيلسوفًا ملحدًا رأى فلاحًا أمميًا راكعًا يصلى من كل قلبه وبكل مشاعره. فقال "إنني مستعد أن أتنازل عن كل فلسفتي ودراستي في مقابل أن أحظى بشيء من إيمان هذا الفلاح البسيط الذي يخاطب شخصًا لا يراه"!! وأنت يا أخي مؤمن، أفلا تشكر؟!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أشكر الله أيضًا لأنه يعطيك فرصًا كثيرة للتوبة. لأن ملايين من الذين في الجحيم يشتهون ساعة واحدة من الحياة أو أقل، لكي يقدموا فيها توبة، ولا يجدون..! وأنت إن قرر الله أن يأخذ روحك، ألا تشتهى بعض دقائق من هذا العمر الذي لا تشكر عليه...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أشكر الله على كل إحساناته إليك منذ وُلدت: كم مرة طلبت من الله طلبًا فاستجاب لصلاتك؟ كم من ضيقة أنقذك منها؟ وكم من مرض شفاك منه أو أنقذك من الإصابة به؟ كم باب رزق فتحه أمامك؟ كم خطية ارتكبتها ولم يحاسبك الله حسب خطاياك، بل أحتملك!! أتستطيع إذن أن تحصى إحسانات الله إليك؟! لست أظن ذلك ممكنًا! فكم بالأكثر لو أضفت إليها إحساناته إلى أحبائك وأقربائك، والى الوطن كله...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اشكر الله أيضًا على الصحة التي أنت فيها. وكما يقول الحكيم: "إن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يشعر به إلا المرضى.." إن كثيرين من الذين يرقدون على فراش المرض يشتهون أن يمشوا على أرجلهم مثلما تمشي. وأيضًا الذين يُعالجون عند أطباء العيون يشتهون نعمة البصر التي لك. فاشكر على كل هذا وعلى غيره...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أخيرًا، إن شكرت، فاشكره أيضًا على نعمة الشكر هذه، واستمر فيها.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-051-Thanksgiving.html

تقصير الرابط:
tak.la/62jcqyb