St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   18-Ma3alem-ElTareek-El-Ro7y
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث

106- خصائص حياة التسليم

 

حياة التسليم إذن ترتبط بالطاعة. نقصد الطاعة الحقيقية، التي لا تذمر فيها، ولا إرادتين...

حيث تطيع الله، وأنت مبتهج القلب. وليست لك إرادة غير إرادته، بل تقول:

ليس لي رأي ولا فكر ولا        شهوة أخرى سوى أن اتبعك

إن سبب السقوط الوحيد، هو الثنائية بين إرادة الإنسان وإرادة الله.

حياة التسليم أرشدنا الرب إليها في الصلاة الربية، حينما علمنا أن نقول "لتكن مشيئتك..."

لتكن مشيئتك هي مشيئتي. ولتكن مشيئتي هي مشيئتك. ولا تسمح أن تكون له مشيئة أخري منفصلة عنك...

وإذا دخل الإنسان في وحدة المشيئة، لن يخطئ. لأنه يكون حينئذ في شركة مع الروح القدس، لا يقاوم، ولا يعاند المشيئة الإلهية. وهذه هي أحدي ثمار حياة التسليم...

ومن هنا كانت الخطية لونًا من العناد، لا يتفق مع حياة التسليم. ومن هنا أيضًا الذي يعيش في التسليم "لا يستطيع أن يخطئ والشرير لا يمسه" وبهذا "أولاد الله ظاهرون" (1يو3: 9، 10) (1يو5: 18).

St-Takla.org Image: The Last Judgment, Saints and faithfuls with Jesus Christ in the Kingdom of Heaven , and the devil (Satan) with the punished ones. صورة في موقع الأنبا تكلا: اليوم الأخير، الدينونة: القديسين مع السيد المسيح في ملكوت السموات، والشيطان (إبليس) مع المعاقبين.

St-Takla.org Image: The Last Judgment, Saints and faithfuls with Jesus Christ in the Kingdom of Heaven , and the devil (Satan) with the punished ones.

صورة في موقع الأنبا تكلا: اليوم الأخير، الدينونة: القديسين مع السيد المسيح في ملكوت السموات، والشيطان (إبليس) مع المعاقبين.

الذي يحيا حياة التسليم، يسلم لله كل شيء، يسلمه فكره وقلبه وحواسه، ولا يحاول أن يتدخل في عمل الله فيه. يسلمه رغباته وانفعالاته وعواطفه.

هذا هو التسليم الكامل، الذي به وحده يستطيع المؤمن أن يهتف مع القديس بولس الرسول "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20).

هذا هو التسليم الإنسان الذي صلب ذاته تمامًا، فلم تعد له ذات تقاوم مشيئته الله...

الذي يحيا حياة التسليم، يسأل الرب في كل أمر "ماذا تريد يا رب أن أفعل" (أع9: 6).

أنا لا أختار لنفسي، بل أطلب دائمًا ما تختاره أنت لي. لأنني لو اخترت لنفسي ربما أخطئ في اختياري. أما أنت فتعرف ما هو الصالح لي.

وأنا لا اختار لنفسي، لأني لا أثق بحكمتي الخاصة. وما أصدق قول الكتاب: "على فهمك لا تعتمد" (أم3: 5). وأيضًا " توجد طريق تبدو لإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت" (أم14: 12 ؛ أم16: 25).

لذلك أنا أترك الأمر لحكمتك الإلهية واسلم الأمر لها. لأنك أنت يا رب تري ما أراه، وتعرف ما لا أعرف. وأنت تدرك ما هو الصالح لي وتقودني إلى الأرض الخضراء، وإلى موارد الماء الحي.

إذن حياة التسليم ينبغي أن تبني على أتضاع القلب، وعلى بساطة القلب كما تبني على اختفاء الذات.

إن الذات التي تثق بمعرفتها وقدرتها من الصعب عليها أن تصل إلى حياة التسليم.

والذين يفحصون كل مشيئات الله وكل عمله معهم، والذين يأخذون عمل الله مجالًا للمناقشة والمجادلة... هؤلاء لا يستطيعون بهذا الأسلوب أن يصلوا إلى حياة التسليم. بل يسمونهم " العقلانيين"..

إبراهيم أبو الآباء عاش في حياة التسليم، حينما ترك أهله، وحينما رضي أن يقدم ابنه محرقة للرب.

ترك وطنه وعشيرته، وهو لا يعلم إلى أين يذهب، إنما كان قد سلم حياته للرب، يقوده حيثما يشاء، ويسكنه حيثما يشاء.

كذلك أخذ ابنه الوحيد ليقدمه ذبيحة محرقة، مسلمًا الأمر لقدرة الله التي تستطيع أن تقيم من الأموات (عب11).

الذي يحيا حياة التسليم، إنما يسلم للرب الغرض والوسيلة، كذلك النتيجة أيضًا...

الله يختار له الطريق والطريقة. وكل نتيجة تأتي من عند الله هي مقبولة. لذلك هو يعيش في فرح ورضي باستمرار.

إن الحزن يأتي إذا حدد الإنسان لنفسه غرضًا ولم يتحقق. أما الذي يعيش في التسليم فإنه لا يحدد لنفسه أغراضًا، لأنه قد ترك للرب أن يرشد طريقة. وكما قال أرمياء النبي " عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقة. ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته" (أر10: 23).

الذي يسلم للرب طرقة، لا يقلق أبدًا، لأنه واثق أن الرب سينجح طريقه أما الذي يقود نفسه، فهو معرض للقلق...

بولس الرسول سلم حياته للرب، لذلك كان يغني ويسبح، حتى وهو في السجن (أع16) لا يوجد شيء يزعجه، بل كان أيضًا يكتب بعض رسائله وهو أسير في الرب.

وبطرس الرسول لأنه سلم حياته للرب، نام في السجن مستريحًا، بينما كان الموت ينتظره في اليوم التالي (أع12).

حياة التسليم تقوده إلى الاطمئنان، حتى في أشد الأوقات...

إنها تذكرني باطمئنان المريض الذي يرقد في هدوء وثقة، مسلمًا جسده لمشرط الجراح " يجرح ويعصب"...

هو في رقاده ونومه واستسلامه لا يحاول، ولا يسأل الجراح ماذا يفعل به... يكفيه جدًا أنه في يد أمينة تريد الخير له، ويكفيه ثقته في هذه اليد.

هكذا كل الذين ساروا وراء الله في تسليم. لم يسألوا، ولم يجادلوا، كما حدث في دعوة آبائنا الرسل.

متى وهو في مكان الجباية لما وصلته الدعوة، ترك كل شيء، ولم يسأل إلى أين؟ وبطرس واندراوس ويوحنا ويعقوب أخوه، تركوا الشباك والصيد، وساروا وراء المسيح وهو لا يعلمون إلى أين... ولم يسألوا.. إنها حياة التسليم.

لذلك حسنًا أن الله اختار أولئك الذين كانت لهم حياة التسليم...

كان يعرف أن لهؤلاء قلوبًا مستعدة بسيطة، تثق ولا تحاول أن تفحص بعناد يدعي الحكمة والفهم، ولهذا قال السيد المسيح "أحمدك أيها الآب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال"، أي للبسطاء (لو10: 21).

وكأني بالمؤمن يقول للرب في كل مشكلاته:

St-Takla.org Image: The Prayer of the Thanksgiving, from the Coptic Agbeya book in Arabic, with and Ethiopian Cross - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: صلاة الشكر من الأجبية القبطية المقدسة باللغة العربية، مع صليب حبشي - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا

St-Takla.org Image: The Prayer of the Thanksgiving, from the Coptic Agbeya book in Arabic, with and Ethiopian Cross - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: صلاة الشكر من الأجبية القبطية المقدسة باللغة العربية، مع صليب حبشي - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا.

لقد قدمتها لك يا رب. صمت من أجلها وصليت. وسلمتها لك. وأنا واثق أنك ستعمل. كيف ستعمل؟ ومتى؟ لا أعرف. ولكني أعرف تمامًا أنك لا بد ستعمل الخير. وسأري عملك الآن أو بعد حين. هذا أمر أراه بالإيمان وبالحب والثقة، وأراه بخبراتي الطويلة معك، تحت رعايتك...

في التسليم يفعل الإنسان هكذا، ولا يقلق من جهة الوقت.

إن الله سيعمل في الوقت الذي يراه مناسبًا ونافعًا. بدا لك أنه قد تأخر مسألة التأخير هذه مسألة نسبية تتوقف على نوعية تفكير الإنسان.

في حياة التسليم اترك الوقت لله، ولا تحدد له مواعيدًا، فهو أدري بعمله، وهو أكثر منك معرفة بالوقت الصالح.

ثق بعمل الله، مهما حاربك الشيطان باليأس. ومهما قال لك في شماتة "لا فائدة"! إنك مادمت قد سلمت أمورك لله، فقد سلمتها للقادر على كل شيء، الله محب البشر، صانع الخيرات، الكلي الحكمة والمعرفة، الذي قد نقشك على كفه...

حقًا إن صفات الله الجميلة هذه، تدعوك إلى حياة التسليم بالأكثر، وتدعوك إلى الاطمئنان مهما بدت أمامك عوائق.

إن الله هو هو، ووعوده هي هي، ومحبته وحكمته هي هي. وهو يعمل حتى لو بدا لك الأمر متوقفًا.

في حياة التسليم لا تعتمد على حواسك ولا على إدراكك الخاص.

إن كنت قد طلبت من الله طلبًا، ثق أنه في اللحظة التي سمعك فيها قد بدأ يعمل لأجلك حتى قبل أن تطلب.

بحياة التسليم، سلك الرسل في كرازتهم وفي خدمتهم. ذهبوا إلى بلاد لم يروها من قبل، ولا يعرفون لغتها، وليس فيها كنائس ولا مؤمنون ولا أية إمكانيات. ولكنهم بحياة التسليم كانوا يثقون أن الله سيدبر الخدمة وينجحها. ولم يكن يعينهم: كيف؟

وبحياة التسليم عاش إباؤنا الرهبان السواح بدون أية معونة بشرية.

عاشوا تائهين في البراري والقفار. ومرت على الكثيرين منهم عشرات السنوات لا يرون فيها وجه إنسان. ومع ذلك كانوا سعداء في حياتهم التي سلموها للرب، ورأوا ورأت الأجيال كيف كان الله يعولهم روحيًا وماديًا في حياة التسليم التي عاشوها.

إن الذي يحيا حياة التسليم، لا يهتم، لا يحمل همًا...

إنه قد ألقي على الله همومه، منذ أن سلمه حياته بكل ما فيها، ولم يعد يحمل همًا بعد ذلك... إن الذي يهتم بالكل، يهتم به أيضًا.

ما دام أبوكم السماوي يعلم جميع احتياجاتكم، ومادام هو يرعاكم فلا يعوزكم شيء، إذن لماذا تهتمون؟!

لا تهتموا بما للغد، فإن الغد يهتم بما لنفسه" (متى6: 34). إن إله الغد هو الذي يدبره. كما دبر أمسًا وقبلًا من أمس...

جميل أن نسمع عن يوحنا المعمدان أن ملاكًا خطفه في طفولته إلى البرية لينقذه. أو فيلبس الذي عمد الخصى الحبشي، حمله روح الرب فوجد في أشدود (أع8). أو أن القديس مقاريوس الكبير لما تعب في البرية في الطريق قال "أنت تعلم يا رب أنه ما بقيت في قوة"، وللحال وجد نفسه في الإسقيط.

إن روح الله الذي قاد الآباء قديمًا، قادر أيضًا أن يقودك، إن سلمته حياتك فادخل في حياة التسليم، لكي تدخل أيضًا في حياة الاختبار، وتلمس يد الله في حياتك.

إن الذين عاشوا في حياة التسليم، اختبروا الرب وذاقوه، وتقوَّى إيمانهم بالأكثر لكي يدخلوا في درجة أعمق في حياة التسليم. وكانت حياة التسليم تقودهم كل يوم إلى اختبار جديد. وحياة الاختبار تثبتهم في حياة التسليم.

وهكذا كلما زادوا تسليمًا، زادوا اختبارًا. وبالاختبار يقوي إيمانهم، فيزداد تسليمهم. ونعمة تقودهم إلى نعمة...

بالتسليم تحيا في سلام. أما كثرة الاهتمامات، فتتعبها كثرة الهموم.

إلى متى تظل حاملًا همومًا ينوء تحتها ظهرك. القها على الله. أليس هو القائل "تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت11: 28).

إن الله الذي حمل أثقال العالم كله، من آدم حتى الآن وإلى أخر الدهر أكثير عليه أن يحمل همومك....

هناك إنسان قد يعيش في الكنيسة مضطربًا يحمل همومًا. وبدلًا من أن يترك الله يحمل همه، يحمل هو هموم الله، إن صح هذا التعبير!! فلماذا يا أبني تتعب نفسك؟ ولماذا تتعب النفس بكثرة حديثك عن الهموم. سلم الأمر لله الذي سيحملك ويحمل الكنيسة وكل همومك وهمومها، دون أن تقلق.

حسنٌ أن تختبر الرب، حينئذ تحكي عنه لأبنائك وأحفادك وتلاميذك.

تحكي ليس فقط عن إله الكتب، إنما عن إله الخبرة والعشرة والمذاقة... إله كل يوم، وكل لحظة، وكل حادث. تحكي عن الله الذي لم يتخل عن أولاده مطلقًا، والذي قال عنه داود النبي "أبي وأمي تركاني، أما الرب فضمني".

مساكين الذين لم يذوقوا الرب. وكيف يمكنك أن تذوقه؟ بالاختبار... وكيف تختبره؟ بالدخول في حياة التسليم.

سلمه حياتك، كما يسلم طفل يده لأبيه، ليقوده في زحمة المواصلات في أحد الميادين... أو كطفل يتسلق بكتف أمه، ويشعر بأنه، وهو على كتفها في عمق الأمن والراحة والسلام.

لنرجع إذن إلى حياة الطفولة الروحية، في بساطتها وثقتها، وتسليمها وسلامها.

"إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، لن تدخلوا ملكوت الله". ومن أشهر صفات الأطفال.. التسليم وعدم الثقة بالذات، بقدر ما يثقون والأب والمعلم..

وفي حياة التسليم، لا تجادلوا، ولا تشكوا.. إنما ثقوا أن الله يحمل.

جربوا حياة التسليم، وما فيها من فرح واطمئنان وسلام. واقتنوا خبرة روحية من تسليم حياتكم للرب

لقد تأمل أحد القديسين في عبارة "تركنا كل شيء وتبعناك" فقال: إن تركنا كل شيء، هو تركنا لأهويتنا أرادتنا...

اقرأ مقال "اتركيني الآن" في كتاب "انطلاق الروح" هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت...

صل وقل: أنا يا رب سهرت الليل كله، ولم اصطد شيئًا. لكني في حياة التسليم، على اسمك ألقي الشباك وأنا واثق أنها ستمتلئ سمكًا. إله البحر سوف يملؤها...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/18-Ma3alem-ElTareek-El-Ro7y/Characteristics-of-the-Spiritual-Way-106-Submission-2-Charactaristics.html

تقصير الرابط:
tak.la/2can2w9