St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   10-Hayat-El-Iman
 

كتب قبطية

كتاب حياة الإيمان - البابا شنودة الثالث

53- لا يعلم إلى أين يذهب

 

"بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ... فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي." (عب 11: 8).

 

1- هكذا سار أبونا إبراهيم وراء الله، إلى المجهول... لم يكن يعلم إلى أين الطريق، إنما كان واثقًا أن الله يصحبه في الطريق، ويرشد خطاه...

 

2-  وهكذا حدث مع آبائنا الرسل الأطهار، لما دعاهم الرب فتبعوه. وهم لا يعلمون إلى أين... إذ لم يكن للمسيح مقر معروف، بل لم يكن له أين يسند رأسه (لو9: 58). كان يطوف المدن والقرى يعلم ويشفي، مع أنه لم تكن له وظيفة رسمية في المجتمع اليهودي... ولم يكن له دخل مالي معروف. وحتى لما دعا تلاميذه، قال لهم "لا تحملوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاس في مناطقكم... ولا تحملوا معكم شيئًا للطريق" (متى 10: 9، مر 6: 8).

St-Takla.org Image: A Coptic Orthodox monk walking in the wilderness (ascetic, solitaire). صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي أرثوذكسي يسير في الصحراء (ناسك، الوحدة، التوحد).

St-Takla.org Image: A Coptic Orthodox monk walking in the wilderness (ascetic, solitaire).

صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي أرثوذكسي يسير في الصحراء (ناسك، الوحدة، التوحد).

ولو سألت أحد تلاميذه وقتذاك: ما هو عملك؟ وما هو مستقبلك مع المسيح؟ لوقف وأوقفك معه، أمام علامة استفهام كبيرة لا يعرف لها جوابًا، سوى حياة التسليم... يكفيه أنه سائر مع المسيح، مع أنه معه وفي وجوده لا يعمل شيئًا... المسيح يعمل كل شيء، وتلاميذه مجرد متفرجين.

 

3- خذوا مثالًا لذلك القديس مار مر قس الرسول حينما دخل الإسكندرية:

دخلها وهو لا يعلم إلى أين يذهب، إذ لم تكن هناك كنيسة يستقر فيها، ولم يكن له هناك شعب، ولا مسكن... بل على العكس كانت الوثنية في كل مكان، وكانت اليهودية تقاوم الإيمان جاء مارمرقس إلى مصر، وأرشد الله خطاه إلى إنيانوس، وما كان في فكره هذا الأمر (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)..

وما حدث لمارمرقس، حدث تقريبًا لباقي الرسل. تتنوع الأمكنة والأسماء، ولكن قلب الموضوع واحد. وكأن كل رسول كان يقول:

لو كانت الخدمة عملًا بشريًا، لكان يهمني أن أعرف خطية مسيري. أما والخدمة عمل إلهي، فلا يهمني إلى أين أذهب. أنا مع الله. حيث قادني أسير.

 

4- يوحنا المعمدان كان يرى أن واجبه هو أن يشهد للحق. فشهد للحق وقال لهيرودس الملك "لا يحل لك" ولم يهتم بعد ذلك إلى أين يذهب: إلى السجن، إلى الموت... ليكن ما يكون. رسالة الله تتم في طاعة إيمانية كاملة. أما الحياة، وأما المصير، فهما مسلمان الله... إلى التمام.

وهكذا كان بولس الرسول يشهد للرب... وبعد ذلك لا يهمه إلى أين يذهب: "أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف"، يقول في ثقة بحياة التسليم "لكنن في هذه جميعها، يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رو8: 35، 37).

بهذا الأسلوب، سار أولاد الله جميعهم في طريق الحياة في حياة التسليم.

كل ما يهمهم هو أن الله يقودهم. ولكن لا يعنيهم إلى أين... ولكنهم واثقون بالإيمان، أنه سيقودهم إلى المراعي الخضراء، وإلى ينابيع الماء الحي. خبرتهم مع الله تجعلهم مسرورين بقيادته، واثقين بمحبته.

 

5- إسحق بن إبراهيم حمل الحطب وراء أبيه، ولم يعلم إلى أين يذهب.

كل ما تعلمه في حياته، هو التسليم والطاعة، وبهما سار حتى إلى المذبح. وربطه إبراهيم أبوه ووضعه على المذبح فوق الحطب (تك22)، ورفع عليه السكين. كل هذا وإسحق في تسليم كامل. لم يشك في محبة الله... وانتصر على طول الخط.

بتسليمه هذا، كسب طاعة الإيمان، وكسب حياته، وكسب وعود الله...

 

6- لعازر الدمشقي لما سافر ليختار زوجة لإسحق، ما كان يعلم إلى أين يذهب.

ولكنه سلم خطاه لله ليرشده. ودبر الله له كل شيء بطريقة عجيبة وقف أمامها مذهولًا. وتم كل شيء حسبما طلب منه سيده إبراهيم. ولهذا قال "الرب أنجح طريقي" (تك 24: 56).

ولعل لعازر الدمشقي كان يقول "لم أكن أعلم إلى أين أنا أذهب. لكني كنت أعلم تمامًا أن الله ذاهب معي".

ونفس الوضع تقريبًا حدث ليعقوب في رحلته إلى خاله لا بان. وما أجمل قول الرب له "هاأنا معك. أحفظك حيثما تذهب" (تك28: 15).

 

7- الشعب في البرية، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟!

St-Takla.org Image: A Coptic Orthodox monk walking in the wilderness (ascetic, solitaire). صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي أرثوذكسي يسير في الصحراء (ناسك، الوحدة، التوحد).

St-Takla.org Image: A Coptic Orthodox monk walking in the wilderness (ascetic, solitaire).

صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي أرثوذكسي يسير في الصحراء (ناسك، الوحدة، التوحد).

ما كان يعلم شيئًا. كان الله يقوده يومًا بيوم. وكان يرتحل بإرشاد إلهي، ويقف بإرشاد إلهي، ويقف بإرشاد إلهي. وكان هذا الإرشاد يتمثل في السحابة تظلله نهارًا، وعمود النار يهديه ليلًا... والشعب في تسليم كامل لقيادة الله، لا يسأله إلى أين..؟

وما كانت أمام موسى النبي خطة لمسيرة، وكأنه يقول:

يكفينا يا رب أن تكون سحابتك فوق رؤوسنا، وعمود النار أمامنا. نحن لا نحدد مسارنا، إنما تحدده مشيئتك الصالحة. أما نحن فيسعدنا أننا تحت قيادتك. حيثما سارت سحابتك نسير . وحيثما حلت نستظل تحتها... يفرحنا أننا نرى فوق تابوت العهد الضباب الذي يمثل وجودك.

فلتتحرك خيمة الاجتماع في البرية نحو المجهول. إنه مجهول بالنسبة إلينا. ولكنه في علمك ومعرفتك منذ الأزل. وهذا يكفينا، لكي نسلم خطانا لهذا المجهول، ونحن في ملء الثقة بأننا في طريق كنعان.

 

8- القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان، حينما دخل إلى الجبل، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟! وكذلك القديس الأنبا بولا أول السواح...

وأيضًا كل السواح والمتوحدين حينما توغلوا في البرية الجوانية، ما كان أمامهم هدف مكاني معين يقصدونه. كل ما كان أمامهم هو الهدف الروحي وهو أن ينفردوا بالله في حياة السكون والهدوء، مسلمين حياتهم بالكلية له "تائهين في البراري والجبال وشقوق الأرض"...

تسأل كل واحد من التائهين في البراري: أتعلم أين أنت؟ فيجيبك:

على خريطة المكان، لست أعلم أين أنا...

ولكن على خريطة الحب، أعلم أنني في حضن الآب.

 

9- ولعل البعض يسأل: أما ينبغي أن يحسب كل إنسان حساب النفقة، حسب وصية الرب نفسه (لو14: 28)؟

إن حياة الإيمان، هي أبعد ما تكون عن علم الحساب الذي يقصدونه. إذن ما الذي يقصده الرب بأن يجلس الإنسان أولًا ويحسب النفقة؟

حساب النفقة هو: هل عندك من الإيمان ما يكفي؟

هل عندك من الإيمان ما تسلم به الأمر كله لله لكي يدبره؟ إنك تفعل ما تستطيعه. ولكن هذا هو أقل المطلوب. أما العنصر الأساسي فهو إيمانك بما يفعله الله، وتسليمك له كل الأمر...

وهذا كان منهجنا، حينما كنا نريد أن نبني كنيسة أو أي مشروع للخدمة والرعاية. لم يكن السؤال الأساسي هو "من أين التكاليف؟"، إنما كان السؤال الأساسي هو: هل الله موافق على هذا البناء أم لا؟ فإن كان موافقًا فهو الذي سيقوم بكل تكاليفه. وما علينا إلا أن نبدأ، ويد الله تكمل العمل معنا "وإن لم يبن الرب البيت، فباطلًا يتعب البناءون" (مز127: 1).

الإيمان هو أن تغمض عينيك، وتبصر الله.

طالما أنت تفتح عينيك، فأنت تسير بالحواس الجسدية. أما إن أغمضت هذه العين الجسدانية، حينئذ سوف تسلك بالقلب والروح.

إن تأكدت بحواسك الروحية أن الله سيذهب معك في طريق سر فيه ولو كان في وادي ظل الموت. يقينًا هناك سوف لا تخاف شرًا لأن الرب معك (مز23).

 

10- هذه هي حياة التسليم، التي فيها يختار الرب لنا ما نشاء، دون أن نختار نحن لأنفسنا. آخذين درسًا من قصة لوط وإبراهيم.

لوط اختار لنفسه السكنى في سادوم، الأرض المعشبة (تك13: 10، 11). وكان يعلم إلى أين يذهب. أما إبراهيم فلم يختر لنفسه شيئًا. إنما قال له الرب "ارفع عينيك وانظر... جميع الأرض التي أنت ترى، لك أعطيها" (تك 10: 14،15).. وماذا كانت النتيجة؟ لوط سُبِيَ وهو في سادوم وأنقذه إبراهيم (تك 14). ثم احترق كل ماله في سدوم وخسر الكل...

وهكذا كانت حياة التسليم التي لإبراهيم ذات نتيجة أفضل.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/10-Hayat-El-Iman/Life-of-Faith_53-La-Ya3lam-Ayna-Yathhab.html

تقصير الرابط:
tak.la/bt2fqar