St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty  >   007-Short-Stories
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب قصص قصيرة (مع مجموعة من القصص الطويلة) - القمص تادرس يعقوب ملطي

523- قصة: لا... لن تسرق إكليلي!

 

حب قاتل!

اسودت الدنيا في عيني الرجل، فقد أحب ثيؤدورا العذراء الجميلة حتى العبادة، أحبها من أجل وداعتها ورقتها، ومن أجل شخصيتها وجمالها. فإنه ليس فيها عيب!

بدأ الرجل ينهار في داخله، فقد شغلت ثيؤدورا كل أحلامه وابتلعت كل أفكاره، واشتاق أن يقتنيها زوجة له بكل ما يملك. ليس فيه عيب لكي ترفضه، فهو أحد نبلاء الإسكندرية، له من المال والكرامة مع صغر سنه وجمال هيئته ما تتطلبه أية فتاةٍ في عريسها، لكن ثيؤدورا رفضته!

St-Takla.org Image: Heavenly reward crown: stained glass art. صورة في موقع الأنبا تكلا: الإكليل السماوي: فن زجاج معشق.

St-Takla.org Image: Heavenly reward crown: stained glass art.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الإكليل السماوي: فن زجاج معشق.

حاول الرجل بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة أن يجتذبها، ولكنها في إصرار كانت ترفض!

مرت الأيام على الرجل، وكأنها سنوات طوال أو قل أجيال كاملة، لا طعم للحياة ولا فرح يقدر أن يعبر في قلبه، حتى بدأ جسده ينهار وصحته تعتل. صغرت الدنيا في عينه مادامت ثيؤدورا بعيدًا عنه!

إذ أدرك أصحابه ما آلت إليه حياة هذا النبيل أشار كل منهم عليه بحيلة، وانتهت كل الحيل بالفشل. فإن هذه الفتاة لم تنجذب بكثرة أمواله ولا صيته، ولا انثنت أمام عواطفه وتوسلاته، ولا اهتزت لدموعه، ولا اضطربت لتوعك صحته، ولا قبلت شفاعات الكثيرين من أجله!

حاول الرجل أخيرًا أن يؤكد لها أن تبقى في إيمانها المسيحي كما هي وأنه يحميها من القانون، لكنها أبت أن تتزوج بغير مسيحي مهما يكن الثمن.

أخيرًا لم يجد النبيل إلا أن ينثني أمام إحدى المشورات إلا وهو استخدام العنف والتهديد، فإن المسيحيين في الإسكندرية كانوا يجتازون فترة عصيبة من الضيق بسبب منشور دقلديانوس. إذ صدرت الأوامر مشددة بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وطرد الموظفين المسيحيين من أعمالهم، خاصة من المراكز القيادية، وسلبهم كل حق إنساني؛ يُعاملون معاملة العبيد، ليس من قانون يحميهم.

في وسط الصراع المرَّ داخل النبيل بين رغبته الأكيدة في اقتناء هذه الحسناء وبين الإلقاء بها وسط الآلام بسبب رفضها له اقتنع أخيرًا إما أن تكون له أو تموت!

أرسل الرجل إلى ثيؤدورا أن تختصر الطريق وتقبل الزواج منه برضاها حتى لا تدخل في محاكمات مرة وتعرض حياتها لآلام قاسية ومخاطر جمة!

← ترجمة القصة بالإنجليزية هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت: No, you’ll never Steal my Crown.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ذكريات وخواطر!

ما أن بلغ العذراء الجميلة التهديد حتى دخلت مخدعها؛ واتجهت نحو الشرق تجاه أيقونة الصليب، وفي هدوءٍ كاملٍ يصحبه سلام عميق انحنت. تذكرت ثيؤدورا الكثير من الأحداث التي شاهدتها بنفسها والتي سمعت عنها. تطلعت إلى الكنيسة وقد لاحقتها الاضطهادات جيلًا بعد جيلٍ. كرست مدرسة الإسكندرية الفلسفية كل طاقاتها وإمكانياتها لتهاجم المسيحية، تضع المجلدات في افتراءات كثيرة ضد الإيمان المسيحي والمسيحيين. تسندها القوات الحاكمة، أو على الأقل تستطيب لذلك. لكن في هدوءٍ كاملٍ رد كثير من "المدافعين المسيحيين" عليها، ففندوا ما كتب ضد الكنيسة وإيمانها، وفضحوا أخطاء الوثنيين والفلاسفة، وتكلموا بشجاعة عن حقوق المسيحيين المسلوبة. كتبوا للفلاسفة وكتبوا للشعب كما كتبوا للإمبراطور نفسه!

حقًا تعرضت مدرسة الإسكندرية المسيحية للغلق. لكنها مارست عملها في البيوت ولم يتوقف التعليم. حتى كان أوريجينوس أحد رجالها في شدة أحد أمواج الاضطهاد يعد من غير المسيحيين رجالًا مؤمنين مستعدين للاستشهاد. واستشهد بعض الموعوظين فعلًا!

St-Takla.org Image: Origen Adamantius, Origenos صورة في موقع الأنبا تكلا: العلامة أوريجانوس أدامانتيوس أو أوريجينوس، أوريجن

أغلقت أحيانًا الكنائس لكن لم يستطع أحد أن ينزع الرعاية الكنسية، فقد فُتح كل بيت وكل قلب للرعاة. وتجول الآباء من بيت إلى بيت يسندون أبناءهم ويشجعونهم.

مرّ بخاطر ثيؤدورا مناظر المسيحيين وهم يساقون إلى الموت وهم فرحين متهللين، ينتظرون نصيبهم السماوي بشجاعة نادرة.

تذكرت كيف اتسع قلب المسيحيين المضطهدين للذين يضطهدونهم، يحبونهم ويخدمونهم ويصلون من أجلهم، لا في مراءاة، ولا في مداهنة أو خوف، بل في ترفقٍ بهم مشتهين خلاصهم!

شعرت ثيؤدورا أنها ليست أهلًا أن تُحسب شهيدة من أجل المسيح الذي يحبها. وأدركت مسئوليتها أن تصلي من أجل هذا النبيل الذي ظن أنه يحبها وها هو ينتقم منها. إنها تود خلاصه!

انهارت الدموع من عينيها. هل هي دموع الفرح من أجل ما ستقدمه من ذبيحة حب؟ أم هي دموع الانسحاق من أجل خلاص هذا الرجل؟ أم هي إحساس بالشكر غير المنطوق به نحو ذاك الذي يفتح صدره لها، يهتم بها فلا تسقط شعرة واحدة من رأسها بدون إذنه؟!

صلت ثيؤدورا، لكن ليس ككل يومٍ، فقد صارت تثب متهللة، كأن السماء قد اقتربت إليها، أو أقل هي ارتفعت إلى السمائيين.

رأت بعيني قلبها أمورًا لم تكن قد رأتها قبلًا.

اتسع قلبها بأكثر حب، وصارت تصلي من أجل هذا النبيل لكي يعطيه الرب هو وكل من حوله فهمًا وحكمة. ليبدد الله شره وعداوته أما نفسه فيخلصها!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في ساحة القضاء

لأول مرة تدخل ثيؤدورا ساحة القضاء، فقد استدعيت بإيعاز من هذا النبيل، فجاءت بغير خوف أو ارتباك.

- ما هي رتبتك (حرة أم عبدة)؟

- أنا مسيحية.

- أأنت امرأة حرة أم عبدة؟

- قلت لك إني مسيحية. مجيء السيد المسيح حررني. وبحسب مفهوم العالم أنا أيضًا حرة.

عندئذ استدعى القاضي حارس المدينة وسأله:

- اخبرني، ماذا تعرف عن هذه الفتاة، ثيؤدورا؟

- ثيؤدورا من عائلة موقرة، وقد نذرت البتولية.

امتعض القاضي عند سماعه عن البتولية ساخرًا، ثم التفت إلى ثيؤدورا نفسها يسألها:

- إن كنتِ من عائلة طيبة، فلماذا ترفضين الزواج؟

- من أجل السيد المسيح. إن مجيئه في الجسد قد خلصنا من الفساد ووهبنا الحياة الأبدية. وأنا لن اترك إيماني به، فقد صممت أن أمارس حياة البتولية...

تجاهل القاضي تمسكها بالإيمان المسيحي، ولم يرد أن يثيرها إذ كان يعلم كيف يتمسك المسيحيون بإيمانهم حتى الموت، لكنه أراد أن يحقق رغبة النبيل ألا وهي أن تترك بتوليتها وتتزوج به، لهذا لم يعلن اتهامها بالمسيحية، ولا طلب منها أن تنكر مسيحها، إنما بدأ يهددها أنه سيأمر البعض أن يغتصب عفتها قهرًا إن لم تتزوج. وإذ تفرس في ملامحها رأي علامات الهدوء قد استولت عليها، وبسلام عجيب بدأت تجيبه: "أظنك يجب أن تعرف أن الرب إنما يتطلع إلى نيات الناس. الله يعلم رغبتي في البتولية، فإنك وإن أمرت أحدًا أن يفعل ما قلت فهذه خطيته وليس خطيتي، مادام الأمر ليس بيدي.

- لا تجلبي العار علي عائلتك، فسيكون ذلك وصمة لن تمحي.

- المسيح يعرف أن يحفظ حمامته البرية.

- لقد ضللوكِ، إذ تضعين ثقتك في رجلٍ مصلوبٍ. لا تخدعي نفسك، ولا تظني أنكِ ستنجين من العار حين تُرسلين إلى حيث ابعث بكِ.

في هذا كله لم تهتز نفس ثيؤدورا، ولا اضطربت لتهديداته. وبعد محاورات عدة قال لها القاضي:

- لقد طال صبري بكِ، ولم استخدم العنف معكِ، لكنكِ أن تمسكتِ بما أنتِ عليه في مقاومتك لي، فسأضطر إلي معاملتك كعبدة. إني ملتزم أن أطبق الأوامر الصادرة إليَّ من سادتنا الأباطرة فاجعل منكِ عبرة لكل امرأةٍ.

لم يتمالك القاضي نفسه، بل ثار ثورة عارمة أمام هدوء هذه الفتاة، فأمر أحد رجال المحكمة قائلًا: اصفع هذه الحسناء بكل قوتك، واخبرها أن تذهب إلي الآلهة، تضحي لها، ولا تكون بعد غبية!

أما هي فبكل هدوء أجابت:

"بحق الرب إني لن أضحي للشياطين ولا أعبد غير الرب، فإن الرب هو معين لي".

- أيتها المرأة الغبية، إنكِ تلزمينني أن أصنع معك ما يسيء إلى امرأة مثلك، فإني ألقي بك في أيدي الأشرار حتى يُعلن الحكم في قضيتك.

- اعترافي بالرب ليس غباوة، وما تدعوه عارًا فسيؤول إلى مجدي الأبدي.

St-Takla.org Image: "And as I knew that I could not otherwise be continent, except God gave it, and this also was a point of wisdom, to know whose gift it was: I went to the Lord, and besought him, and said with my whole heart" (Wisdom 8:21) صورة في موقع الأنبا تكلا: آية "ولما علمت باني لا اكون عفيفا ما لم يهبني الله العفة وقد كان من الفطنة ان اعلم ممن هذه الموهبة توجهت الى الرب وسالته من كل قلبي قائلا" (سفر الحكمة 8: 21)

St-Takla.org Image: "And as I knew that I could not otherwise be continent, except God gave it, and this also was a point of wisdom, to know whose gift it was: I went to the Lord, and besought him, and said with my whole heart" (Wisdom 8:21)

صورة في موقع الأنبا تكلا: آية "ولما علمت باني لا أكون عفيفا ما لم يهبني الله العفة وقد كان من الفطنة ان اعلم ممن هذه الموهبة توجهت الى الرب وسألته من كل قلبي قائلا" (سفر الحكمة 8: 21)

- لا أستطيع أن أصبر بعد، فقد نفذ صبري على رجاء أن أتستميلك. فإني إن انتظرت بعد أصير عاصيًا للأوامر الإمبراطورية.

- إن كنت في خوف فأسرع بتنفيذ ما قد أُمرت به. فإني لن أنكر ربي. أنا أخشى أن أعصى الملك الحقيقي.

تمالك القاضي نفسه وحكم بتركها ثلاثة أيام تراجع فيها نفسها، مقسمًا بأنها إن لم تتراجع فسيرسلها إلى بيت للدعارة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في بيت الدعارة

حُملت ثيؤدورا قسرًا إلى بيت للدعارة بعد أن عوملت من الجند بشيء من القسوة، وألقيت في إحدى حجراته، ووُضع البيت تحت حراسة مشددة حتى لا تفلت العذراء الجميلة من العار.

هكذا تُركت الفتاة لكي تُغتصب عنفًا بعد أن رفضت الزواج بأحد نبلاء المدينة.

رفعت ثيؤدورا عينيها إلى عريسها السماوي، تسلم حياتها بين يديها، متأكدة أنه وأن أتقن العالم الهتك بها فإن إلهها يقدر أن يخلصها. سلمت حياتها بثقةٍ كاملةٍ في يدي الله ضابط الكل، الذي يعطى مع التجربة المنفذ.

بقدر ما عُرفت ثيؤدورا برقتها لكن أحاسيسها وقد اُمتصت بالكامل في الله الذي يحبها قد جمدت تمامًا عما يدور حولها في البيت. لم تنشغل بالحركات المريبة والضحكات المثيرة والكلمات الخارجة التي تدور حولها. لقد أحست كأنه لا يوجد في البيت غير الله وهي.

قطع هذا السكون الداخلي اندفاع أحد الجنود إلى الحجرة الذي فتح الباب وأخذ يناديها: ثيؤدورا... ثيؤدورا.

ارتبكت ثيؤدورا قليلًا، فهي تعلم أن أحدًا لابد وأن يحاول اغتصابها... هوذا الجندي يدخل مندفعًا، لكنه يناديها في رقةٍ ولطفٍ... ماذا يكون هذا؟

- ثيؤدورا، لا تخافي. أنا أخوكِ ديديموس، قد تخفيت في زي جندي لكي أنقذ عفتك وبتوليتك. أنا مسيحي، أرسلني الرب إليك.

بدأ ديديموس يخلع ثياب الجندية وهو يقول لها: "أسرعي بارتداء هذه الثياب وأحنى رأسك حتى لا يلاحظ أحد شيئا عليك، واهربي دون أن تتحدثي مع أحدٍ".

 لم تمض ساعات حتى ارتبك البيت كله، بل وثارت الإسكندرية: هوذا مسيحي أنقذ ثيؤدورا الجميلة من العار!

اقتيد ديديموس إلى الحاكم وهناك استُجوب:

- من وضع لك هذه الخطة؟

- الله أرسلني لأتمم ذلك؟

- اعترف، أين ثيؤدورا لئلا أذيقك العذاب؟

- بحق يسوع المسيح ابن الله لا أعرف أين هي. إنما أعرف شيئًا واحدًا أنا متأكد منه أنها كعبدة الرب، ومعترفة بالسيد المسيح هي محفوظة بلا عيب.

ما فعلته ليس هو عملي إنما عمل الرب. لقد فعل بها الرب حسب إيمانها.

وبعد مناقشات طويلة صدر الأمر بإعدامه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لا... لن تسرق إكليلي!

أجتمع عدد ليس بقليل حول ديديموس الذي يقوده الجند في إهانات جمة إلى حيث تُقطع رأسه. وفي وسط هذا الهياج العظيم، الكل يندفع ليرى من هو هذا الجريء الذي دفع بحياته للموت من أجل فتاة، وفي وسط صرخات متباينة، إذ بفتاة تتسلل بينهم وتدفع بنفسها دفعًا... ماذا تريد هذه؟!

لقد استطاعت أن تخترق الطريق بين الزحام وتدخل بين صفوف الجند وتمسك بديديموس وهي تقول:

- إني لن أسمح لك أن تسرق إكليلي.

من حقك أن تنقد عفتي، لكن ليس من حقك أن تسرق إكليل استشهادي.

فوجئ الجند وكل الجموع بهذه الكلمات الغريبة، فقد أدركوا أنها ثيؤدورا التي تطالب بحقها أن تستشهد على اسم المسيح ولن تترك ديديموس يسرق مجدها هذا.

بلغ الخبر كالبرق إلى الحاكم الذي أصدر الأمر بإعدامها فورًا!

جاءها النبأ وكأنه دعوة لعرس أبدي، ففرحت وتهللت.

لم تتمالك ثيؤدورا نفسها، بل اتجهت في الحال نحو الشرق وبسطت يديها على مثال الصليب، رفعت قلبها نحو السماء وبدأ وجهها ينير. شعر الحاضرون أنه لابد وقد انفتحت عيناها لترى مالا يروه. فقد بدأت تناجي عريسها السماوي بلغة الفرح والتهليل، وكأنه ليس في الوجود غيرهما.

بعد لحظات قدمت رأسها للسياف تأمره أن يتمم ما قد أمره سيده به.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty/007-Short-Stories/Short-Stories-0523-Crown.html

تقصير الرابط:
tak.la/83fkhwt