St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-018-Father-Athanasius-Fahmy-George  >   006-El-Tarbeya
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين - القمص أثناسيوس فهمي جورج

50- القدوة الشخصية

 

 كانت القدوة الشخصية أفضل وسيلة غير لفظية استُخدِمت في النظام التربوي الرهباني، وبصفة عامَّة أهم وسيلة، لأنها كانت تُعطي مِصداقية لسائِر الوسائِل الأخرى، سواء لفظية أو غير لفظية، وكانت تُعتبر خِتمًا على كلّ تعليم أعطِيَ، ويُؤكِد الأدب النُّسْكي المُبكِر مرَّات ومرَّات على أهمية ودور القدوة الشخصية كوسيلة تعليمية، وقد قيلَ عن القديس باخوميوس أنه قاد تلاميذه بقدوته أكثر مِمّا بتعاليمه، وبِمِثاله الشخصي ربح محبتهم وتكريسهم للمسيح يسوع.

 وفي ”الأقوال“ يُمكننا أن نجد عددًا من الأقوال التي تُؤكد على أهمية المِثال والقدوة الشخصية، فمثلًا عندما سأل أخ الأنبا بيمن عمّا إذا كان يجب أن يُقدِّم تعاليم ونصائِح للرُّهبان الذين تحت إرشاده، أجابه أنبا بيمن: ”... ليس تعاليم ووصايا بل اعمل أنت العمل أولًا، لا تكُن مُعطي قانون، بل نموذجًا ومِثالًا لهم“. (44)

 وكان آباء البريَّة مُقتنعين أنَّ الشخص إذا لم يستطِع الانتفاع من مِثالِهِم، فلن يستطيع أن ينتفِع من تعاليمِهِم أيضًا، وكانوا يعتبرون القدوة الشخصية وسيلة للتعليم أقوى من أي وسيلة لفظية أخرى. (45)

 والأنبا شيشوي عندما طلب منه أخ أن يقول له ”كلمة“ أجابه ”لماذا تُرغمني أن أتكلَّم باطلًا؟ انظُر، افعل كلّ ما تراه“ (46).

 وآباء البريَّة كرُواد في ”سيكولوچية العُمق“ عرفوا أنَّ وجود شخصية روحية أخلاقية بالقُرب من الإنسان يكون لها تأثيراتها وانطباعاتها القوية للغاية عليه، ولذلك أكَّدوا على أهمية المثال الحي الشخصي، وحدث أن سأل أخ الأنبا بيمن ما الذي يجب أن يفعله لأنَّ نفسه لا تخاف الله، فأجابه أنه يجب أن يلتصِق بإنسان يخاف الله، وسيتعلَّم أن يخاف الله مثله (47).

St-Takla.org Image: A Coptic hermit Saint, with an angel appearing to him, one of the Desert Fathers  صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قديس من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يظهر له ملاك، من آباء البرية

St-Takla.org Image: A Coptic hermit Saint, with an angel appearing to him, one of the Desert Fathers

صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قديس من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يظهر له ملاك، من آباء البرية

 وتبرُز هذه الفكرة أيضًا عند القديس باسيليوس الذي قال أنَّ التلميذ يرِث كلّ فضائِل أبيه الروحي (48)، كما عبَّر القديس إغريغوريوس أسقف نيصص شقيقه عن الأمر عينه في كِتاباته (49).

 وأوضح القديس إيسيذروس الفرمي أنَّ المُعلِّم يجب أن يُعلِّم تلاميذه بسلوكياته أكثر مِمّا بكلماته، فالقدوة الشخصية تحِث الإنسان على حياة الفضيلة أكثر مِمّا تفعل الكلمات (50).

 ونيلوس النَّاسِك كان مِثالًا آخر لآباء البريَّة الذين أكَّدوا على أهمية القدوة الشخصية، وشرح أنَّ المثال الشخصي وكلّ الأعمال الشخصية أيضًا يجب أن تنبني على أساس نظري، وهذه القدوة الشخصية -بحسب نيلوس- لها تأثيرها الإيجابي حتّى على النفوس القاسية العقيمة.

 وأخيرًا من الجدير بالذِكْر أنَّ الآباء بصفة عامَّة -وليس فقط آباء البريَّة- كانوا ينظرون إلى القدوة الشخصية كوسيلة هامة ومُتميزة للتربية، فكلِمنضُس السكندري مثلًا قال أنَّ مثال وقدوة هؤلاء الذين عاشوا حياة القداسة هو وسيلة مُمتازة لِفَهْم ومُمارسة الوصايا (51)، وفي موضِع آخر يقول أنَّ النماذِج الشخصية والقدوة لها دورها الكبير في مُساعدة الإنسان في جهاده، بل ويُخصِّص فصلًا كاملًا من كِتابه ”المُربي“ ليشرح فيه أهمية القدوة والنماذِج في تربية الإنسان وتعليمه بطريقة صحيحة.

 فالتعليم بالقدوة كان أعظم منهج في التربية حث عليه النُّسَاك والسُّواح الأوائِل، ثم جاء البحث الحديث والدراسات المُحدثة ليظهر أنَّ قدوة المُعلِّم الشخصية لها تأثير كبير على الطُّلاب الذين يميلون إلى تشخيص أنفسهم (التماثُل) مع مُعلِّميهم وإلى مُحاكاتِهِم، وهكذا ينصح عُلماء التربية بالاتصال الشخصي بين الطُّلاب والمُعلِّم والمُعاينة عن قُرب (52).

 كذلك لابد أن نذكُر هنا أنَّ العبادة الجماعية الليتورچية كانت وسيلة تربوية هامة، فمشاعر التوبة والحُزن والشُكر والخبرة الشخصية الأخرى التي تنتُج من عَيْش الطقس والاشتراك في العبادة الليتورچية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كان لها قيمة جل عظيمة في تربية ونمو الرُّهبان، وقد أكَّد آباء الكنيسة دومًا على أهمية العبادة الجماعية.

 أخيرًا، بِنيِة الدير والمُناخ الرَّهباني العام في المنطقة التي يعيش فيها الرُّهبان، كانت وسائِل فعَّالة في التربية الرَّهبانية، وقد أظهرت الدراسات الحديثة التي تمّت على مُستوى الكُليات أنَّ القِيَمْ التي هي جزء من البِنية الاجتماعية للكُلية، تُنقَلْ إلى الطُّلاب سواء كان ذلك عمدًا أو عن غير عمد (53).

 وإجمالًا، العبادة الجماعية، البرنامج الرَّهباني وبِنيته الرَّهبانية، وبصفة عامة الحياة الاختبارية وسط جماعة رهبانية، كانت وسائِل تربوية فعَّالة ومُؤثِرة ساعدت الرُّهبان على بلوغ أهدافهم في أقصر وقت مُمكن.

 وتنوُّع الطُرُق والوسائِل التربوية لم يجعل مُهمة الأب سهلة، بل بالتأكيد جعلها أكثر صعوبة ومسئولية، فكان المُنتظر من الأب أن يكون قادرًا على اختيار الطريقة المُناسبة و”العلاج“ المُناسِب لكلّ واحد من تلاميذه... ولذلك كان آباء البريَّة يُؤكِدون كثيرًا على مُقومات الأب المُرشِد.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-018-Father-Athanasius-Fahmy-George/006-El-Tarbeya/The-Early-Church-Fathers-as-Educators-50-Example.html

تقصير الرابط:
tak.la/ck5h95t