St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary  >   24_M
 

قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

شرح كلمة

مَدِينَة محصنة | مدن حصينة | حصن | تحصين

 

(تث 3: 5؛ مل 10: 2؛ اش 36: 1). وكانت أسوار المدن شامخة ذات أبواب ومزاليج وأبراج (تث 3: 5) وكان بعض الأسوار مصنوعًا من خشب أو غيره قابل للاشتعال (عا 1: 7، 10، 14). وكانت الأبواب أحيانًا مصفحة بحديد أو نحاس أو مصنوعة من هذين المعدنيين (مز 107: 16؛ اش 45: 2؛ أع 12: 10). وكان في المدن المحصنة برج أو صرح يلتجئ إليه العسكر وأحيانًا أهل المدينة إذا لم يمكنهم المدافعة عن السور (قض 9: 46-52). ومثل هذا البرج كان غالبًا على أكمة.

ووجدت مدن كثيرة في أرض كنعان عندما اتاها إبراهيم. وقد ذُكر بعضها في الكتاب كسدوم وعمورة وصبوئيم وحبرون ودمشق وأريحا. وأخيرًا يشوع بست مئة مدينة أخذها العبرانيون. ولما أخذت عاي قتل أهلها وهم 12000 نفس (يش 8: 16-25) وكانت جبعون أكبر منها (يش 10: 2).

وقد كشف التنقيب عن مدن قديمة كثيرة كانت محصنة مثل: حاصور ومجدو وتعنك وبيت شان وترصة والسامرة وشكيم وشيلوه وعاي وبيت ايل وجبعة وجبعون وقسم من أورشليم، وكذلك كشف التنقيب عن أريحا وجازر ودبيرولخيش وعجلون وبيت عجلايم وأشدود وجرار وشارحين. وقد وجدت صور لبعض مدن فلسطين في نقوش المصريين القدماء والاشورين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لقد عرف بنو إسرائيل -منذ بداية تاريخهم كأمة- المدن الحصينة، فقد ذابت قلوبهم عند سماع أخبار المدن العظيمة المحصنة إلى السماء التي كان يسكنها أبناء عناق والعمالقة والحثيون واليبوسيون والأموريون والكنعانيون، مما جعل الرعب يدب في قلوبهم وهم في البرية في طريقهم إلى كنعان (عدد 28:13، 19؛ تث 28:1). ولم تكن تلك المدن كثيفة السكان مثل المدن الحديثة، أو حتى مثل نينوى وبابل وممفيس في القديم. لكن كانت عملية التغلب على أسوار هذه المدن الحصينة وغزوها عملية مخيفة بالنسبة لشعب كشعب إسرائيل الذين لم يكونوا سوى شرذمة من المشردين الذين تعودوا حياة الخيام البسيطة في البرية، ولم تكن لهم دراية باستخدام وسائل الحصار والهجوم.

St-Takla.org Image: Israel spies: Nevertheless the people who dwell in the land are strong; the cities are fortified and very large; moreover we saw the descendants of Anak there (Numbers 13:28-29) صورة في موقع الأنبا تكلا: جواسيس إسرائيل: المدن حصينة جدا (العدد 13: 28-29)

St-Takla.org Image: Israel spies: Nevertheless the people who dwell in the land are strong; the cities are fortified and very large; moreover we saw the descendants of Anak there (Numbers 13:28-29)

صورة في موقع الأنبا تكلا: جواسيس إسرائيل: المدن حصينة جدا (العدد 13: 28-29)

وعندما قاد يشوع جموع الإسرائيليين لفتح مدن كنعان، كانت تلك المدن قديمة بالفعل. وقد أصبح الكثير من تاريخ تلك المدن معروفًا لنا، فقد أزاحت عمليات التنقيب الحديثة في فلسطين الكثير من الغموض، وكشفت عن الكثير من طبيعة الوسائل الدفاعية لتلك المدن.

 

أولًا - الاكتشافات الحديثة:

(1) التنقيب في التلال:

لقد وجه العلماء أنظارهم بشكل مكثف إلى التلال والروابي التي تخفي تحتها أطلال المدن القديمة، وبخاصة في الجنوب الغربي من البلاد. وقد كان "لصندوق استكشاف فلسطين" - بتمويل من بريطانيا وأمريكا - فضل السبق في هذا المضمار. وقد أضافت هذه الاكتشافات الكثير إلى معرفتنا عن المدن المحصنة في كنعان، وذلك من خلال مجهودات البروفسور "فليندرز بتري" (Flinders Petrie) في منطقة "تل الحصى" و"د. ف. ج. بليس" (F.J. Bliss) والبروفيسور "ستيوارت ماكليستر (Stewart Macalister) في "تل زكريا" و"تل الصافي" و"تل اليهودية" و "تل سنداحنا". ثم الاكتشافات الحديثة للبروفيسور ماكاليستر في "جازر". كما أن أبحاث"شارلز وارين" (Charles Warren) والسير "شارلز و. ولسون (Charles Wilson)، والكولونيل كوندر (Conder) وغيرهم من المكتشفين في أورشليم برعاية نفس الصندوق، قد ألقت هذه الأبحاث المزيد من الضوء على الأعمال الدفاعية في أورشليم في فترة تالية. وقد شاركت كل من ألمانيا والنمسا في تلك الاكتشافات أيضًا.

وما قام به البروفيسور "إي سيللين" (E-Sellin) الأستاذ بفينا، ثم في بروستوك، من التنقيب في "تل تعنك" في سهل إسدرالون، ثم التنقيب في أريحا في 1911، وأيضًا ما قام به "جوتليب شوماخر" (Gottlieb Shumacher) من التنقيب في تل المتسلم (مجدو القديمة) أسفر عن اكتشافات بالغة الأهمية.

وفي عام 1908 قامت بعثة أمريكية من جامعة هارفارد برئاسة شوماخر ومن بعده د. رايزنر (Reisner) بالتنقيب في منطقة السامرة - عاصمة المملكة الشمالية، مما أسفر عن نتائج باهرة. كما قامت بعثة ألمانية بالتنقيب في "سنجرلي" (sinjerli) فألقت اكتشافها فيضًا من الضوء على تاريخ شمالي سورية وبخاصة على تاريخ الحيثيين. وكل هذه الاكتشافات تضيف إلى قصص الكتاب المقدس وتؤكدها في الكثير من التفصيل.

 

(2) موقع الاستكشافات:

كانت مدن الشعوب الكنعانية البدائية تقع في أماكن يسهل الدفاع عنها، فكانت تقع إما على حافة بارزة من جبل مثل مدن جازر ومجدو وتل الصافي (التي يعتقد أنها جت القديمة) وأورشليم القديمة، أو على ربوة معزولة في وسط سهل مثل "تل الحصى" (لخيش) أو تعنك. وكانت تلك المدن الصغيرة المساحة بالقياس إلى المدن الحديثة، فلم تكن مساحة مدينة جازر تزيد عن ربع ميل مربع، ولخيش خمسة عشر فدانًا، وكل من مجدو وتعنك عن 12 أو 13 فدانًا. وكان لابد لهذه المدن من وجود مورد كافٍ من المياه يسهل الوصول إليه واستخدامه. ويقول بروفيسور مكاليستر عن جازر مثلًا: "إن المياه -الضرورة الأساسية والأولى للحياة- كانت متوافرة جدًا، فكان من اليسير ممارسة أنشطة الحياة البدائية الثلاثة - من صيد ورعي وزراعة - بصورة أفضل منها في الكثير غيرها من الأمكنة. كما كان وجودها على تل يسهل الدفاع عنه، ضرورة أولية في تلك العصور القديمة، فالتل مناسب تمامًا لذلك، فقد كان شديد الانحدار يصعب تسلقه، كما كان ارتفاعه يجعله يشرف على منطقة واسعة، يمكن منه رؤية أي تحرك للعدو عند اقترابه من المدينة، وهكذا يتيح للسكان فرصة الاستعداد لمقابلته.

 

(3) الخاصية البدائية:

يرجع تاريخ تلك المدن في معظم الأحوال إلى أزمنة سحيقة، ويقول بروفيسور ماكاليستر: "لا يمكن أن يتأخر تاريخها عن عام 3000 ق.م. حين أدركت قبيلة بدائية - لأول مرة - أن التل الصخري العاري (كما كان وقتئذ) مكان صالح للإقامة. وكانت تلك القبيلة من سكان الكهوف". ولابد أن تلك القبيلة قد عاشت على تلك التلال نحو خمسمائة عام قبل أن يطردها الكنعانيون الذين طردهم الإسرائيليون - بدورهم - منها. ولكن طبيعة المساكن الأصلية والمخلفات الأولى لحياتهم الاجتماعية، وما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طقوسهم الدينية، كل هذه تشهد بقدم عهدهم.

وفي رابية تل الحصى -وقد أصبح من المؤكد الآن أنها موقع مدينة لخيش القديمة- أسفر التنقيب عن إحدى عشرة مدينة مبنية إحداها فوق الأخرى، فهناك تسع مدن تفصل بين المدينة العليا (الحادية عشرة) والمدينة السفلى (مباني الأموريين) المقامة على الجرف الأصلي مباشرة. ويرجع تاريخ المدينة السفلى إلى نحو عام 2000 ق.م. وقد حدد بروفيسور "فلندرز بتري" تواريخ المدن المتعاقبة مستعينًا بما وجده من أوان فخارية في طبقات الرابية. وإحدى هذه المدن الإحدى عشرة - لعلها الرابعة من أسفل - هي مدينة لخيش التي سقطت في يد يشوع بن نون (يش 32:10). وتؤكد أسوارها المبينة من الطوب اللبن، والتي يتراوح سُمْكها بين 10 - 12 قدمًا، على أنها كانت مدينة حصينة.

 

(4) الأسوار:

وبينما اختيرت مواقع المدن الكنعانية لمنعتها الطبيعية، فقد أحس المواطنون الأوائل بحاجتهم إلى بعض التحصينات، وقد أمكن للمستكشفين في مدينة "سنجرلي" أن يتابعوا النمو العام للمدينة من مجرد مجموعة من الأكواخ للرعاة، إلى مدينة ذات سور. وكان أول تحصين يقام هو متراس أو سور ترابي يحيط بالحدود الطبيعية للتل، وداخل ذلك السور بنى السكان منازلهم وعاشوا يمارسون حياتهم في أمان. وقد استبدل هذا السور الترابي في مدينة جازر - بمرور الوقت، أولًا بسور داخلي ثم بسور خارجي فيما بعد، لتدعيم الداخلي. ويقول إشعياء: "إن المدينة القوية لها "أسوار ومترسة" (إش 1:26)، أو "حصن" (ناحوم 8:3؛ في إشارة إلى أن مياه النيل كانت تؤدي نفس الغرض).

ويقدر بروفيسور ماكاليستر أن السور الداخلي لمدينة جازر قد سقط وتحطم في نحو 1450 ق.م. ولم يعد يستخدم، وأن السور الخارجي هو الذي كان قائمًا عند غزو الإسرائيليين لها. كما يقول: "إن سور المدينة الخارجي -حتى في حطامه- مهيب وعظيم، وتصل بعض الأجزاء السليمة منه إلى ارتفاع 10 - 14 قدمًا. ولعل رسل موسى أدركوا عدم إمكانهم اقتحام المدينة عندما رأوا الوجه الخارجي لسور المدينة الذي كان يبدو شامخ الارتفاع فوق التل.

ويتضح من النقوش الأشورية أن أسوار المدن في الأزمنة اللاحقة كانت مزودة بشرفات علوية لرمي السهام والمقذوفات منها. ولعل إشعياء كان يشير إلى ذلك بقوله: "اجعل شرفك ياقوتًا" (إش 12:54). ولتدعيم الجدران وبخاصة في المناطق الضعيفة الدفاع، كانت تكسى بالأحجار أو بالطوب المحروق، وزيادة في التحصين كانت تحفر الخنادق حول السور لتفصل بين الحصن أو القلعة، وبين ما يجاورها من أرض منبسطة أو منحدرة، كما نرى في السور الشمالي لأورشليم، وفي أجزاء كثيرة من أسوار القسطنطينية.

 

(5) الأبراج:

كانت الأبراج تبنى في الأركان أو في المواضع التي يخشى الهجوم منها (صف 16:1؛ 2أخ 7:14). وقد اكتشفت مثل هذه الأبراج على القمة في "تل زكريا". وقد وجد في جازر ثلاثون برجًا حول السور الخارجي. أما عدد الأبراج على أسوار سنجرلي فلا يقل بحال عن ثمانمائة برج. ومن الحفائر في هذه المنطقة القديمة للحيثيين، نستنتج أنه في زمن دخول بني إسرائيل إلى كنعان، كانت تحيط بالمدن أسوار مبنية ومدعمة بالعديد من الأبراج الخارجية، لها بوابات عليها زوج من الأبواب المزدوجة وتحرسها أبراج جانبية على كلا الجانبين.

 

(6) الأكروبوليس أو القلعة:

كان بكل مدينة من المدن القديمة حصن داخلي للحماية الداخلية كما كان الملجأ الأخير للمدافعين عن المدينة. وقد تتبع العلماء آثار سور الأكربوليس في مدينة "تل زكريا" ووجدوا أن السور يسير بمحاذاة حدود التل. وقد وجد في مستوطنة حثية قديمة حصن مستطيل الشكل، له جدران خارجي وداخلي، تفصل بينهما مسافة 12 - 30 ياردة. وهناك دليل على أن الرابية أو الجرف الذي كان مأهولًا من قبل، ظل هو حصن أو أكروبوليس المدينة بعد أن اتسعت رقعتها. ويبدو أن هذا ما حدث عندما أخذ داود حصن اليبوسيين وجعله عاصمة مملكته.

أما في "سنجرلي" فمع وجود سور حول المدينة - كان للقلعة سوران دفاعيان داخلي وخارجي، وعلى هذه القلعة وجدت قصور حثية، قام الملك الأشوري تغلث فلاسر الأول ببناء قصور على نمطها.

 

(7) البناء:

أتاحت لنا الحفائر متابعة تطور فن بناء الحصون منذ بداياته الأولى. كان الطوب اللبن والحجارة الخشنة هي مواد بناء الأسوار قديمًا، ولم يكن البناء منتظمًا عادة، وكثيرًا ما كانت تملأ واجهات الحجارة والوصلات في الأسوار بالحصى أو برقائق الحجر الجيري وكسره، أما الحجارة ذاتها فكانت تهذب وتشكل إلى حد ما بالمطرقة، بينما تحمل أحجار الزوايا آثار الأزميل عليها. أما الأحجار المصقولة والمزخرفة فلم توجد إلا في العصر العبري. أما في "تل زكريا" فقد بنيت أسوار القلعة "الأكروبوليس" من أحجار خشنة مملطة بالطين المخلوط بالقش وبدون جير، مع بعض الأحجار المنحوتة جيدًا والمبنية بدون ترتيب مع قطع من الأحجار بأحجام متنوعة. وفي زمن لاحق، استخدم الملاط لتكسية الأسوار وتقويتها. وكان الطين المستخدم معرضًا للتشقق ما لم يضغط بالأقدام ليكتسب قوامًا مناسبًا، فنقرأ كيف كان يبني الواحد منهم حائطًا وهم "يملطونه بالطفال" أي الطين اليابس الذي لم يعالج جيدًا (حز 10:13 - 16؛ 28:22؛ ناحوم 14:3).

أما عن عصر الكنعانيين فيبدو أنهم لم يستخدموا الملاط في البناء وفي الحصن الحثي، فالجدار الداخلي مبني بحجارة خشنة، أما الجدار الخارجي فحجارته خماسية الشكل تقريبًا غير منتظمة الحجم مرصوصة بجوار بعضها البعض بدون ملاط على الطراز "السيكلوبي" من العصور الإغريقية الموغلة في القدم.

 

(8) البوابات:

ربما لم تكن لبوابات مدن كنعان الحصينة نفس الأهمية الاجتماعية التي أصبحت لها في العصور اللاحقة، إلا أنها كانت عنصرًا هامًا في المنشآت الدفاعية عن المدينة. فكانت بأقل عدد ممكن يكفي للدخول والخروج من المدينة. وكان باب أريحا يغلق عند حلول الظلام (يش 5:2)، وكان لباب غزة مصراعان غير متصلين بالقائمتين بمفصلات، بل يدوران حول أوتاد تتحرك داخل وقبين في العتبتين العليا والسفلى، وكانت العوارض تمتد بين القائمتين وتتصل بهما لتأمين إغلاق الباب (قض 3:16).

ويقول هيرودوت إن أبواب "بابل" المائة، كانت مصنوعة من النحاس. ويقول الرب لكورش: "أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف" (إش 2:45). وكانت المصاريع أحيانًا تصنع من خشب كما يتضح من العبارة: "تأكل النار مغاليقك" (ناحوم 13:3).

وكانت تقام فوق البوابات أبراج للدفاع عنها، وقد بنى عزيا أبراجًا في أورشليم عند باب الزاوية وعند باب الوادي وعند الزاوية وحصنها (2أخ 9:26).

وقد وجد في السور الداخلي لمدينة "جازر" باب عجيب البناء، فالسور من حجر أما المدخل فعبارة عن ممر بين برجين مصمتين من القرميد، يبلغ عرضه تسعة أقدام، وطوله اثنين وأربعين قدمًا ومرصوف بالحجارة. وتحمل الألواح الحجرية على الجانبين آثار حريق. ولعل عدم وجود أي حاجز خشبي يرجع إلى حدوث حريق ضخم عند غزو المدينة. أما الأبراج فما زالت قائمة إلى ارتفاع ستة عشر قدمًا. وفي الأزمنة اللاحقة، كان الحراس يقفون على البرج فوق البوابة ليكتشفوا مقدم الصديق أو العدو أو الرسول (2صم 24:18). وكان بالبرج حجرات ليشغلها الزائرون والحراس.

 

(9) مورد المياه:

كان وجود مورد دائم للمياه أحد المتطلبات الضرورية في الحصون الكنعانية البدائية، فكان في جازر عين ماء متدفقة. ويتحكم "تل الحصى" في الينابيع الوحيدة الموجودة في تلك المنطقة. ومما يؤيد النظرية الحديثة بأن "صهيون" أو "مدينة داود" كانت تقع على قمة "الأكمة" وجود "ينبوع العذراء" قريبًا منها، وهو الينبوع الدائم الوحيد بالمنطقة، وهو ما لا بُد شجع اليبوسيين على بناء حصنهم هناك.

وقد وجدت في المواقع المستكشفة، أحواض للمياه بعضها يعلوه قبو، ويصل إليها المرء بدرجات سلم. كما لوحظ وجود آثار ممرات سرية أو أنفاق تصل بأقرب ينبوع مياه. ويرى البعض في هذا تفسيرًا للمقصود "بالقناة" التي من خلالها تمكن يوآب من الوصول إلى قلعة اليبوسيين والاستيلاء عليها (1أخ 6:11).

وعند حصار العدو لمدينة حصينة، كان من أهم الخطوات الاستراتيجية أن يقوم أهل المدينة بتأمين مورد المياه وتحويل المجرى أو إخفائه حتى يُحرم العدو من مورد للمياه (2مل 13: 19، 25؛ 2أخ 32: 3؛ 2 صم 12: 26، 27).

 

ثانيًا - في التاريخ الكتابي:

(1) قبل المملكة:

وجد الإسرائيليون -بعد عبورهم الأردن- أريحا المنيعة العظيمة ذات الأسوار الضخمة، تحول دون تقدمهم. وقد كشفت الحفريات الحديثة عن الملامح المشتركة للحصون الكنعانية، وهي: سور خارجي يحيط بالمنطقة كلها سمكه نحو ستة أقدام ونصف القدم، بداخله قلعة ذات أسوار لا تقل متانة ومنعة عن القلعة نفسها. وعلى مقربة منها يوجد مورد الماء الذي لا غنى عنه. ووجدت داخل القلعة أسوار المنازل وحجرات الكنعانيين. وفي حالات كثيرة وجدت رفات أجساد أطفال مدفونة في جرار تحت الأرض الطينية. ولعل هذه النماذج من "ذبائح الأساس" - التي كشفها لنا التنقيب في جازر - تشير إلى قصة إعادة بناء أريحا في أيام آخاب حين بنى حيئيل البتئيلي أريحا "بأبيرام بكره وضع أساسها، وبسحوب صغيرة نصب أبوابها" (1مل 34:16)

كما نقرأ في سفر القضاة أن أبيمالك ذهب إلى "تاباص ونزل في تاباص وأخذها. وكان برج قوي في وسط المدينة فهرب إليه جميع الرجال والنساء وكل أهل المدينة وأغلقوا وراءهم وصعدوا إلى سطح البرج، فجاء أبيمالك إلى البرج وحاربه، واقترب إلى باب البرج ليحرقه بالنار، فطرحت إمرأة قطعة رحى على رأس أبيمالك فشجت جمجمته" (قض 50:9-53).

ويبدو أن الإسرائيليين، لم يكونوا - في ذلك الوقت - قد استولوا على النقاط الحصينة في البلاد، إذ عندما اقتحم الفلسطينيون البلاد لم تكن هناك حصون يختبئ فيها الإسرائيليون، بل اختبأوا "في المغاير والغياض والصخور والصروح والآبار" (1صم 6:13).

 

(2) في أيام المملكة:

عندما استولى داود على حصن اليبوسيين (2صم 6:5-9) ونقل عاصمته من حبرون إلى أورشليم، بدأ عصر جديد من الاستقلال والفتوحات. وما تتمتع به "مدينة داود" من مناعة طبيعية، مع ما أضيف إليها من تحصينات، جعلها مدينة منيعة أمام الأعداء من فلسطينيين وأراميين، بل جعل منها حصنًا من أمنع الحصون في غربي آسيا.

ومع أن سليمان كان رجل سلام، إلا أن القلاع ووسائل الدفاع كانت ضمن المباني العظيمة التي أقامها، فقد بنى سور أورشليم و"القلعة" وسد كل الثغرات في مدينة داود حتى لا تكون بها أي نقاط ضعيفة في دفاعات المدينة (1مل 15:9). وبنى سليمان أيضًا "حاصور" لمراقبة دمشق، وبنى "مجدو" لحراسة سهل يزرعيل، و"جازر" المشرفة على السهل الساحلي. وقد كان ما عمله في الحقيقة، هو إعادة تحصين هذه المدن لا بناؤها من أساسها. كما حصن "بيت حورون" العليا والسفلى ليسد الطريق في وجه غزوات الفلسطينيين. كما بنى "بعلة وتدمر في البرية في الأرض، وجميع مدن المخازن…ومدن المركبات ومدن الفرسان" كجزء من تجهيزاته العسكرية (1مل 18:9 و19).

إن انقسام المملكة وما تبع ذلك من غيرة وعداوة بين يهوذا وإسرائيل، جعل من المحتم إقامة المزيد من التحصينات الجديدة في كلا الجانبين. "فأقام رحبعام في أورشليم وبنى مدنًا للحصار في يهوذا..مدنًا حصينة، وشدد الحصون وجعل فيها قوادًا وخزائن مأكل وزيت خمر، وأتراسًا في كل مدينة، ورماحًا وشددها كثيرًا جدًا" (2أخ 5:11 - 12). "وبنى يربعام شكيم في جبل أفرايم وسكن بها، ثم خرج من هناك وبنى فنوئيل". لقد بنى شكيم للدفاع عن جبل أفرايم، وبنى فنوئيل لحماية جلعاد (1مل 25:12).

ووسع "بعشا" حدوده حتى أصبح على بعد أميال قليلة من أورشليم وحصن "الرامة" كي يبعث الرعب في قلب "آسا" في عاصمته أورشليم. ولم تكن الحرب الطويلة - التي ظلت مستعرة طيلة حكم ملوك إسرائيل يربعام وناداب وبعشا وأيله، إلا حرب حصار. وقد دام حصار "جبثون" نحو سبعة وعشرين عامًا (قارن 1مل 27:15 مع 1مل 15:16 - 17).

وباعتلاء عمري عرش إسرائيل أصبح في إسرائيل ملك قوي يذكر اسمه بكل تبجيل في آثار أشور التي تذكر مملكة إسرائيل بأنها "أرض بيت عمري". وهو الذي بنى السامرة التي ظلت عاصمة للمملكة الشمالية إلى زمن سقوطها في 722 ق.م.

وفي أعمال التنقيب التي قامت بها البعثة الأثرية لجامعة هارفارد، تم الكشف عن أسوار قصر "عمري" وقلعته مما ألقى الضوء على مدى مناعة ذلك المكان.

وبينما بنى سليمان سور أورشليم، فإن "عُزيا" بنى "أبراجًا في أورشليم عند باب الزاوية وعند بابا الوادي وعند الزاوية وحصنها" (2أخ 9:26). ثم جاء ابنه يوثام وسار على نهج أبيه في تحصين المدينة، حيث "بنى الباب الأعلى لبيت الرب وبنى كثيرًا على سور الأكمة وبنى مدنًا فيجبل يهوذا وبنى في الغابات قلعًا وأبراجًا" (2أخ 3:27-4).

أما حزقيا فكان لديه من الأسباب القوية، ما جعله يزيد من هذه التحصينات ليضاعف من قوة المدينة ليستطيع أن يواجه حملات سنحاريب صوب الغرب.

ويفخر سنحاريب - في نقوشه - بأنه استولى على ست وأربعين مدينة من مدن حزقيا الحصينة إلى جانب قلاع لا عدد لها. ولكنه لم يستطع الادعاء بأن أورشليم كانت إحدى تلك المدن، فقد خرجت أورشليم من تلك المحنة سالمة، لكنها سقطت في أيام الملك منسى، وسُبي هو شخصيًا إلى نينوى، "ولما تضايق طلب وجه الرب إلهه وتواضع جدًا أمام إله آبائه، وصلى إليه فاستجاب له وسمع تضرعه ورده إلى أورشليم إلى مملكته…وبعد ذلك بنى سورًا خارج مدينة داود غربًا…وحوط الأكمة بسور وعلاه جدًا..ووضع رؤساء جيوش في جميع المدن الحصينة في يهوذا" (2أخ 11:33-14). ومع ذلك لم تستطع المدينة أن تصمد أمام نبوخذ راصر ورجاله، فتم الاستيلاء عليها في 597 ق.م. وسُبي الملك يهوياقيم وصفوة شعبه إلى بابل (2أخ 6:36 و7). وبعد حصار دام سنتين سقطت المدينة ثانية في 586 ق.م. "وأحرقوا بيت الرب وهدموا سور أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار" (2أخ 19:36).

 

(3) بعد العودة من السبي:

إن العمل الوطني الذي قام به نحميا في إعادة بناء سور أورشليم، لهو جزء بارز في تاريخ المدينة. وظلت القلعة في زمن المكابيين تحت سيطرة حامية سورية، إلى أن سلمها ديمتريوس إلى رئيس الكهنة (المكابيين الأول 33:1، 32:10). ومن الجدير بالذكر أن قلعة "أنطونيا" (أع 24:22) أقيمت في نفس موقع "القصر" أو "القلعة" التي كانت في أيام نحميا (نح 8:2؛ 2:7).

 

ثالثًا: في المزامير والأنبياء:

(1) في المزامير:

كان يلذ للمرنم أن يعبر عن ثقته في الله، كمن يحتمي بقلعة أو يلجأ إلى جبل حصين لا يمكن لإنسان أن يقتحمه، وهناك يجد الحماية الكاملة من كل عدو أو مضطهد. فالرب - في أحكام بره وعدله - برج حصين للمنسحقين "وملجأ في أزمنة الضيق" (مز 8:9 و9). وعندما يفتخر بقوة الرب الذي أنقذه، يعبر بكلمات بليغة عن ثقته في الرب: "أحبك يا رب يا قوتي. الرب صخرتي وحصني ومنقذي، إلهي صخرتي به أحتمي، ترسي وقرن خلاصي وملجأي" (مز 1:18، 2).

وتتكرر كلمة "ملجأ" أكثر من عشرين مرة في المزامير (مز 9:9؛ 6:14؛ 2:18؛ 1:46، 7، 11؛ 3:48؛ 9:59، 16، 17؛ 2:62، 6، 8؛ 3:71، 7؛ 28:73؛ 1:90؛ 2:91، 9؛ 22:94؛ 5:142؛ 2:144). كما يقول المرنم عن الرب أنه "بيت ملجأ له" (مز 2:31).

ويتفق المزموران الثامن عشر والتاسع والخمسون، مع ظروف الراعي الملك حين اضطهده شاول فلجأ إلى مغارة عدلام، متحملًا كل صنوف الأخطار والمخاوف التي كانت تهدد حياته.

 

(2) في الأنبياء:

مع أن إرميا يسمى النبي الباكي، إلا أن الرب جعله مدينة حصينة ليقوم برسالته دون أدنى خوف من الشعب العنيد: "هأنذا جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس" (إرميا 18:1؛ انظر أيضًا 27:6؛ 20:15).

وتنبأ هوشع في المملكة الشمالية بخراب جميع حصونها على يد الغزاة الأشوريين (هو 14:10، 14:8). وعندما كان الأنبياء يعلنون رسالة الله للشعب، لم يكونوا يخاطبون إسرائيل ويهوذا فحسب، بل أيضًا كل من كان على علاقة مع شعب الله من الدول الكبرى في زمانهم. وفي أحاديث الأنبياء إلى تلك الأمم الكبرى -مصر وبابل وأشور وأرام وأدوم وغيرها- نرى لمحات عن المدن الحصينة مثل "نو-أمون" (طيبة) وبابل ونينوى ودمشق، والتي لم يستطع أن يدرأ عنها الهزيمة والخراب، ما كانت تتمتع به من منعة طبيعية وتحصينات قوية. كما كان الأنبياء يشجعون إسرائيل ويهوذا بأن الرب حصن منيع أقوى من كل ما كانت تمنحه الأنهار الكبرى لمصر وأشور. وعندما كانت نينوى في ذروة عظمتها وقوتها ومجدها العالمي، يخاطبها ناحوم متسائلًا: "هل أنت أفضل من "نو-أمون" الجالسة بين الأنهار حولها المياه التي هي حصن البحر (نهر النيل) ومن البحر سورها (ناحوم 8:3). ونحن نعلم أن نينوى ذاتها تمتعت، ليس بحماية الأسوار والقلاع العظيمة فحسب، بل أيضًا بالقنوات ومجاري المياه التي كانت تحيط بالمدينة. ويعلن ناحوم في صورة بليغة: "جَمِيعُ قِلاَعِكِ أَشْجَارُ تِينٍ بِالْبَوَاكِيرِ، إِذَا انْهَزَّتْ تَسْقُطُ فِي فَمِ الآكِلِ" (ناحوم 12:3). وقد كان لبابل أسوار عالية ذات قوى خرافية ومهولة كما يصفها هيرودوت وغيره من المؤرخين. وكان نبوخذنصر ملك بابل أعظم ملوك الشرق في عهده، حتى ليقول "سير هنري ليارد" (Sir H. Layard) إنه لا تكاد توجد طوبة -قد كشف عنها في سهل بابل العظيم- تخلو من اسم نبوخذ نصر منقوشًا عليها. ويقال إن سور بابل كان كالجبل ارتفاعًا، وبسمك ثمانين قدمًا، يحيط به خندق متسع جدًا مملوء بالماء، حتى لا يقدر سهم أن يصل إلى ضفته الأخرى، ولكن لما جاء يوم الحساب، كانت كل وسائل الدفاع المحكمة هذه، كلا شيء - فاستسلمت المدينة لكورش دون مقاومة.

ويقول حزقيال عن السلام الشامل الذي سيكون للشعب القديم عند رجوعه للرب: إن الناس يكونون هادئين ساكنين "في أمن كلهم ساكنون بغير سور، وليس لهم عارضة ولا مصاريع" (خر 11:38). "في ذلك اليوم يغني بهذه الأغنية في أرض يهوذا: لنا مدينة قوية، يجعل الخلاص أسوارًا ومترسة" (إش 26:1)، "لا يسمع بعد ظلم في أرضك ولا خراب أو سحق في تخومك، بل تسمين أسوارك خلاصًا وأبوابك تسبيحًا" (إش 18:60) وكان الأنبياء الكذبة يحرضون على بناء المدن الحصينة والاعتماد على الخيل والمركبات والقوة العسكرية والتحالف مع قوى غريبة مثل أشور ومصر، أما النبي الحقيقي فكان يعلم أن قوة الأمة مستمدة من الله، فكان يدعو الشعب للاتكال عليه (إش 4:26؛ هو 14:8). ويقول زكريا في نبوته عن الأيام الأخيرة: "كالأعراء تُسكن أورشليم من كثرة الناس والبهائم فيها، وأنا يقول الرب أكون لها سور نار من حولها وأكون مجدًا في وسطها" (زك 4:2، 5؛ 4:8، 5).

 

رابعًا: في العهد الجديد:

(1) في رسائل بولس:

يشير الرسول بولس في فقرة شهيرة - كما يفعل كثيرًا - إلى الأساليب الرومانية في الحرب فيستخدم عبارة "هدم حصون" (2كو 3:10-5) كالهدف النهائي للحصار، ليستخلص دروسًا روحية عظيمة. والحصون التي يتكلم عنها الرسول بولس: "كانت قلاعًا مبنية من الصخر، كتلك القلاع التي كانت قائمة على طول الساحل في كيليكية -موطن بولس- والتي لا بُد أن أباه قد حكى له عنها، وكيف تهدمت في الحروب التي قامت بين روما والقراصنة. كانت أبراجًا عالية مرتفعة "كل علو يرتفع" فوق الروابي الشامخة التي كان يحتلها جنود الأعداء قسرًا. كان هذا أمرًا مألوفًا في العديد من الحروب في آسيا الصغرى، وكان من أعظم الحصون حصن "الأكروبوليس" الذي كان يشرف على مدينة كورنثوس.

 

(2) في أعمال الرسل:

من فوق درج قلعة أنطونيا، وبإذن من كلوديوس ليسياس -قائد حامية أورشليم، والذي كان بولس في حراسته- خاطب بولس الجماهير الهائجة شارحًا قصة تجديده. وكانت هذه القلعة مقرًا للحامية الرومانية التي كانت تحتل العاصمة اليهودية في ذلك الوقت، كما كانت كذلك في أيام ربنا يسوع المسيح (أع 37:21؛ يو 28:18). وما زالت الثكنات العسكرية من العهد التركي، تغطي تلك البقعة.

 

(3) في الأناجيل:

ولو أن قلعة "ماكاروس" لم تذكر بالاسم في الأناجيل، إلا أنه من المعروف أن تلك القلعة التي كانت تقع في شرقي البحر الميت، كانت مسرحًا لسجن يوحنا المعمدان، وفيها قطعت رأسه. وما تركه يوسيفوس من وصف يرسم صورة لقوتها المهولة: "لقد كان من الضروري أن تهدم تلك القلعة وتزال نهائيًا خشية أن تغري الكثيرين بالعصيان بسبب قوتها.. لأن موقعها كان يوحي بالأمان لمن يسيطرون عليها، كما تبعث بالتردد والخوف في قلوب من يفكرون في الهجوم عليها". وكانت تلك القلعة في الأصل تلًا صخريًا يرتفع ارتفاعًا هائلًا، وكان هذا وحده كفيلًا بأن يشكل صعوبة بالغة أمام كل من يحاول الاستيلاء عليها. بل إن الطبيعة نفسها وهبتها مناعة تحول دون الوصول إليها بسهولة، إذ أحاطتها من كل جانب بالأخاديد والأودية شديدة العمق، حتى لا يمكن للعين أن ترى قاعها، كما يستحيل عبورها أو ردمها.

ولقد لعبت قلعة "ماكاروس" مع القلعة الهيرودية وقلعة يوتاباتا، وقلعة "ماسادا" دورًا كبيرًا في الحروب اليهودية التي وصفها يوسيفوس بكل دقائقها في كتابه "الحروب اليهودية".


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/24_M/M_088.html

تقصير الرابط:
tak.la/qm6ch86